صفحة جزء
( 8698 ) مسألة : قال : ( وإذا كاتب عبده ، أو أمته على أنجم ، فأديت الكتابة ، فقد صار العبد حرا ، وولاؤه لمكاتبه ) في هذه المسألة ثلاثة فصول : ( 8699 ) الفصل الأول : أن ظاهر هذا الكلام ، أن الكتابة لا تصح حالة ، ولا تجوز إلا مؤجلة منجمة . وهو ظاهر المذهب . وبه قال الشافعي ، وقال مالك ، وأبو حنيفة : تجوز حالة ; لأنه عقد على عين ، فإذا كان عوضه في الذمة ، جاز أن يكون حالا ، كالبيع .

ولنا ، أنه روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، أنهم عقدوا الكتابة ، ولم ينقل عن واحد منهم أنه عقدها حالة ، ولو جاز ذلك ، لم يتفق جميعهم على تركه ، ولأن الكتابة عقد معاوضة ، يعجز عن أداء عوضها في الحال ، فكان من شرطه التأجيل ، كالسلم على مذهب أبي حنيفة ، ولأنها عقد معاوضة يلحقه الفسخ من شرطه ذكر العوض ، فإذا وقع على وجه يتحقق فيه العجز عن العوض ، لم يصح ، كما لو أسلم في شيء لا يوجد عند محله ، ويفارق البيع ; لأنه لا يتحقق فيه العجز عن العوض ، لأن المشتري يملك المبيع ، والعبد لا يملك شيئا ، وما في يده لسيده . وفي التنجيم حكمتان ; إحداهما ، يرجع إلى المكاتب ، وهي التخفيف عليه ; لأن الأداء مفرقا أسهل ، ولهذا تقسط الديون على المعسرين عادة ، تخفيفا عليهم . والأخرى ، للسيد ، وهي أن مدة الكتابة تطول غالبا ، فلو كانت على نجم واحد ، لم يظهر عجزه إلا في آخر المدة ، فإذا عجز ، عاد إلى الرق ، وفاتت منافعه في مدة الكتابة كلها على السيد ، من غير نفع حصل له ، وإذا كانت منجمة نجوما ، فعجز عن النجم الأول ، فمدته يسيرة ، وإن عجز عما بعده ، فقد حصل للسيد نفع بما أخذه [ ص: 338 ] من النجوم قبل عجزه .

إذا ثبت هذا ، فأقله نجمان فصاعدا . وهذا مذهب الشافعي . ونقل عن أحمد ، أنه قال : من الناس من يقول : نجم واحد . ومنهم من يقول : نجمان . ونجمان أحب إلي . وهذا يحتمل أن يكون معناه ، أني أذهب إلى أنه لا يجوز إلا نجمان . ويحتمل أن يكون المستحب نجمين ، ويجوز نجم واحد . قال ابن أبي موسى : هذا على طريق الاختيار ، وإن جعل المال كله في نجم واحد ، جاز ; لأنه عقد يشترط فيه التأجيل ، فجاز أن يكون إلى أجل واحد ، كالمسلم ، ولأن اعتبار التأجيل ليتمكن من تسليم العوض ، وهذا يحصل بنجم واحد . ووجه الأول ، ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : الكتابة على نجمين ، والإيتاء من الثاني . وهذا يقتضي أن هذا أقل ما تجوز عليه الكتابة ; لأن أكثر من نجمين يجوز بالإجماع .

وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه غضب على عبد له ، فقال : لأعاقبنك ، ولأكاتبنك على نجمين . ولو كان يجوز أقل من هذا ، لعاقبه به في الظاهر . وفي حديث بريرة ، أنها أتت عائشة رضي الله عنها فقالت : يا أم المؤمنين ، إني كاتبت أهلي على تسع أواق ، في كل عام أوقية ، فأعينيني . ولأن الكتابة مشتقة من الضم ، وهو ضم نجم إلى نجم ، فدل ذلك على افتقارها إلى نجمين .

والأول أقيس . ولا بد أن تكون النجوم معلومة ، ويعلم في كل نجم قدر ما يؤديه ، ولا يشترط تساوي النجوم ، ولا قدر المؤدى في كل نجم . فإذا قال : كاتبتك على ألف ، إلى عشر سنين ، تؤدي عند انقضاء كل سنة مائة . أو قال : تؤدي منها مائة عند انقضاء خمس سنين ، وباقيها عند تمام العشرة . أو قال : تؤدي في آخر العام الأول مائة ، وتسعمائة عند انقضاء السنة العاشرة . فكل هذا جائز . وإن قال : تؤدي في كل عام مائة . جاز ، ويكون أجل كل مائة عند انقضاء السنة ، وظاهر قول القاضي ، وأصحاب الشافعي ، أنه لا يصح ; لأنه لم يتبين وقت الأداء من العام .

ولنا ، أن بريرة قالت : كاتبت أهلي على تسع أواق ، في كل عام أوقية ولأن الأجل إذا علق بمدة ، تعلق بأحد طرفيها ; فإن كان بحرف " إلى " تعلق بأولها ، كقوله : إلى شهر رمضان . وإن كان بحرف " في " كان إلى آخرها ; لأنه جعل جميعها وقتا لأدائها ، فإذا أدى في آخرها ، كان مؤديا لها في وقتها ، فلم يتعين عليه الأداء قبله ، كتأدية الصلاة في آخر وقتها . وإن قال : يؤديها في عشر سنين . أو : إلى عشر سنين . لم يجز ; لأنه نجم واحد . ومن أجاز الكتابة على نجم واحد ، أجازه . وإن قال : يؤدي بعضها في نصف المدة ، وباقيها في آخرها . لم يجز ; لأن البعض مجهول ، يقع على القليل والكثير .

التالي السابق


الخدمات العلمية