صفحة جزء
( 8727 ) فصل : إذا مات رجل ، وخلف ابنين وعبدا ، فادعى العبد أن سيده كاتبه ، فصدقاه ، ثبتت الكتابة ; لأن الحق لهما . وإن أنكراه ، وكانت له بينة بدعواه ثبتت الكتابة ، وعتق بالأداء إليهما . وإن عجز ، فلهما رده إلى الرق . وإن لم يعجزاه ، وصبرا عليه ، لم يملك الفسخ . وإن عجزه أحدهما ، وأبى الآخر تعجيزه ، بقي نصفه على الكتابة ، وعاد نصفه الآخر رقيقا . وإن لم تكن له بينة ، فالقول قولهما مع أيمانهما ; لأن الأصل بقاء الرق ، وعدم الكتابة ، وتكون أيمانهم على نفي العلم ، فيحلفان بالله أنهما لا يعلمان أن أباهما كاتبه ، لأنها يمين على نفي [ ص: 351 ] فعل الغير ، فإن حلفا ، ثبت رقه ، وإن نكلا ، قضي عليها ، أو ردت اليمين عليه ، على قول من قضى بردها ، فيحلف العبد ، وتثبت الكتابة . وإن حلف أحدهما ، ونكل الآخر ، قضي برق نصفه ، وكتابة نصفه .

وإن صدقه أحدهما ، وكذبه الآخر ثبتت الكتابة في نصفه ، وعليه البينة في نصفه الآخر . فإن لم تكن له بينة ، وحلف المنكر ، صار نصفه مكاتبا ، ونصفه رقيقا قنا . فإن شهد المقر على أخيه ، قبلت شهادته ; لأنه لا يجر بها إلى نفسه نفعا ، ولا يدفع بها ضررا ، فإن كان معه شاهد آخر كملت الشهادة ، وثبتت الكتابة في جميعه . وإن لم يشهد معه غيره ، فهل يحلف العبد معه ؟ على روايتين .

وإن لم يكن عدلا ، أو لم يحلف العبد معه ، وحلف المنكر ، كان نصفه مكاتبا ، ونصفه رقيقا ، ويكون كسبه بينه وبين المنكر نصفين ، ونفقته من كسبه ; لأنها على نفسه ، وعلى مالك نصفه ، فإن لم يكن له كسب كان على المنكر نصف نفقته ، ثم إن اتفق هو ومالك نصفه على المهايأة معاومة أو مشاهرة ، أو كيفما كان ، جاز .

وإن طلب ذلك أحدهما ، وامتنع الآخر فظاهر كلام أحمد ، أنه يجبر عليها . وهو قول أبي حنيفة ; لأن المنافع مشتركة بينهما ، فإذا أراد أحدهما حيازة نصيبه من غير ضرر ، لزم الآخر إجابته ، كالأعيان . ويحتمل أن لا يجبر . وهو قول الشافعي ; لأن المهايأة تأخير حقه الحال ; لأن المنافع في هذا اليوم مشتركة بينهما ، فلا تجب الإجابة إليه كتأخير دينه الحال . فإن اقتسما الكسب مهايأة ، أو مناصفة ، فلم يف بأداء نجومه فللمقر رده ، في الرق ، وما في يده له خاصة ; لأن المنكر قد أخذ حقه من الكسب .

وإن اختلف المنكر والمقر فيما في يد المكاتب ، فقال المنكر : هذا كان في يده قبل دعوى الكتابة وكسبه في حياة أبينا . وأنكر ذلك المقر ، فالقول قوله مع يمينه ; لأن المنكر يدعي كسبه في وقت ، الأصل عدمه فيه ، ولأنه لو اختلف هو والمكاتب في ذلك ، كان القول قول المكاتب ، فكذلك من يقوم مقامه . وإن أدى الكتابة عتق نصيب المقر خاصة ، ولم يسر إلى نصيب شريكه ; لأنه لم يباشر العتق ، ولم يتسبب إليه ، وإنما كان السبب من أبيه ، وهذا حاك عن أبيه ، مقر بفعله ، فهو كالشاهد ، ولأن المقر يزعم أن نصيب أخيه حر أيضا ; لأنه قد قبض من العبد مثل ما قبض ، فقد حصل أداء مال الكتابة إليهما جميعا ، فعتق كله بذلك ، وولاء هذا النصف للمقر لأن أخاه لا يدعيه وهذا المقر يدعي أنه كله قد عتق بالكتابة ، وهذا الولاء الذي على هذا النصف نصيبي من الولاء .

وقال أصحاب الشافعي : في ذلك وجهان : أحدهما ، كقولنا .

والثاني ، الولاء بين الاثنين ; لأنه يثبت لموروثهما ، فكان لهما بالميراث . والصحيح ما قلناه ; لما ذكرناه ، ولا يمنع ثبوت الولاء للأب ، واختصاص أحد الابنين به ، كما لو ادعى أحدهما دينا لأبيه على إنسان ، وأنكره الآخر ، فإن المدعي يأخذ نصيبه من الدين ، ويختص به دون أخيه ، وإن كان يرثه عن الأب ، وكذلك لو ادعياه معا ، وأقاما به شاهدا واحدا ، فحلف أحدهما مع الشاهد ، وأبى الآخر . فإن أعتق أحدهما حصته ، عتق ، وسرى إلى باقيه ، إن كان موسرا . وهذا قول الخرقي ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من أعتق شركا له من عبد ، وكان له ما يبلغ قيمة العبد ، قوم عليه قيمة العدل ، وأعطي شركاؤه حصصهم } . ولأنه موسر أعتق نصيبه من عبد مشترك ، فسرى إلى باقيه ، كغير المكاتب . وقال أبو بكر ، والقاضي : لا تعتق إلا حصته ; لأنه إن كان المعتق المقر ، فهو [ ص: 352 ] منفذ ، وإن كان المنكر ، لم يصر إلى نصيب المقر ; لأنه مكاتب لغيره ، وفي سراية العتق إليه إبطال سبب الولاء عليه ، فلم يجز ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية