صفحة جزء
( 8765 ) فصل : وليس للمكاتب أن يؤدي إلى أحدهما أكثر من الآخر ، ولا يقدم أحدهما على الآخر . ذكره القاضي ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ، ولا أعلم فيه خلافا ; لأنه ما سواء فيه فيستويان في كسبه ، وحقهما متعلق بما في يده تعلقا واحدا فلم يكن له أن يخص أحدهما بشيء منه دون الآخر ; ولأنه ربما عجز فيعود إلى الرق ، ويتساويان في كسبه فيرجع أحدهما على الآخر بما في يده من الفضل بعد انتفاعه به مدة .

فإن قبض أحدهما دون الآخر شيئا لم يصح القبض ، وللآخر أن يأخذ من حصته إذا لم يكن أذن في القبض ، وإن أذن فيه ففيه وجهان - ذكرهما أبو بكر - أحدهما : يصح ; لأن المنع لحقه فجاز بإذنه ، كما لو أذن المرتهن للراهن في التصرف فيه ، أو أذن البائع للمشتري في قبض البيع قبل توفية ثمنه ، أو أذنا للمكاتب في التبرع ، ولأنهما لو أذنا له في الصدقة بشيء صح قبض المتصدق عليه له ، كذلك هاهنا . والثاني : لا يجوز وهذا اختيار أبي بكر ومذهب أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي واختيار المزني ; لأن ما في يد المكاتب ملك له فلا ينفذ إذن غيره فيه ، وإنما حق سيده في ذمته .

والأول أصح إن شاء الله تعالى ; لأن الحق لهم لا يخرج عنهم فإذا اتفقوا على شيء فلا وجه للمنع .

وقولهم : إنه ملك للمكاتب ، تعليق على العلة ضد ما تقتضيه ; لأن كونه ملكا له يقتضي جواز تصرفه فيه على حسب اختياره ، وإنما المنع لتعلق حق سيده به ، فإذا أذن زال المانع فصح التقبيض ; لوجود مقتضيه وخلوه من المانع ، ثم يبطل لما ذكرنا من المسائل . فعلى هذا الوجه إذا دفع إلى أحدهما مال الكتابة بإذن صاحبه عتق نصيبه من المكاتب ; لأنه استوفى حقه ، ويسري العتق إلى باقيه ، وعليه قيمة حصة شريكه ; لأن عتقه بسببه . هذا قول الخرقي ، ويضمنه في الحال بنصف قيمته مكاتبا مبقى على ما بقي عليه من كتابته وولاؤه كله له ، وما في يده من المال الذي لم يقبض منه بقدر ما قبضه صاحبه ، والباقي بين العبد وبين سيده الذي عتق عليه ; لأن نصفه عتق بالكتابة ونصفه بالسراية ، فحصة ما عتق بالكتابة للعبد ، وحصة ما عتق بالسراية لسيده .

وعلى ما اخترناه يكون الباقي كله للعبد ; لأن الكسب كان ملكا له فلا يزول ملكه عنه بعتقه كما لو عتق بالأداء .

وقال أبو بكر والقاضي : لا يسري العتق في الحال وإنما يسري عند عجزه ، فعلى قولهما يكون باقيا على الكتابة ، فإن أدى إلى الآخر عتق عليهما ، وولاؤه لهما وما بقي في يده من كسبه فهو له ، وإن عجز وفسخت كتابته قوم على الذي أدى إليه وكان ولاء جميعه له وتنفسخ الكتابة في نصفه . وإن مات فقد مات ونصفه حر ونصفه رقيق ، ولسيده الذي لم يعتق نصيبه أن يأخذ مما خلفه مثل ما أخذه شريكه من مال الكتابة ، وله نصف ما بقى والباقي لورثة العبد ، فإن لم يكن له وارث من نسبه فهو للذي أدى إليه بالولاء . وإن قلنا : لا يصح القبض فما أخذه القابض بينه وبين شريكه ، ولا تعتق حصته من المكاتب ; لأنه لم يستوف عوضه ، ولغير القابض مطالبة القابض بنصيبه مما قبضه كما لو قبضه بغير إذنه سواء .

وإن لم يرجع غير القابض بنصيبه حتى أدى المكاتب إليه كتابته صح وعتق عليهما جميعا ، وإن مات العبد قبل استيفاء الآخر حقه فقد مات عبدا ويستوفي الذي لم يقبض من كسبه بقدر ما أخذه صاحبه والباقي بينهما . [ ص: 371 ] قال أحمد في رواية ابن منصور في عبد بين رجلين كاتباه فأدى إلى أحدهما كتابته ثم مات وهو يسعى للآخر لمن ميراثه ؟ قال أحمد : كل ما كسب العبد في كتابته فهو بينهما ويرجع هذا على الآخر بنصيبه مما أخذ وميراثه بينهما . قال ابن منصور : قال إسحاق بن راهويه كما قال .

التالي السابق


الخدمات العلمية