صفحة جزء
( 8768 ) مسألة : قال : ( وإذا لم يؤد نجما حتى حل نجم آخر عجزه السيد إن أحب وعاد عبدا غير مكاتب ) . [ ص: 372 ] وجملته أن الكتابة عقد لازم لا يملك السيد فسخها قبل عجز المكاتب بغير خلاف نعلمه ، وليس له مطالبة المكاتب قبل حلول النجم ; لأنه إنما ثبت في العقد مؤجلا ، وإذا حل النجم فللسيد مطالبته بما حل من نجومه ; لأنه دين له حل فأشبه دينه على الأجنبي ، وله الصبر عليه وتأخيره به - سواء كان قادرا على الأداء أو عاجزا عنه ; لأنه حق له سمح بتأخيره أشبه دينه على الأجنبي ، فإن اختار الصبر عليه لم يملك العبد الفسخ بغير خلاف نعلمه .

قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المكاتب إذا حل عليه نجم أو نجمان أو نجومه كلها فوقف السيد عن مطالبته وتركه بحاله ، أن الكتابة لا تنفسخ ما داما ثابتين على العقد الأول ، فإن أجله به ثم بدا له الرجوع فله ذلك ; لأن الدين الحال لا يتأجل بالتأجيل كالقرض .

وإن حل عليه نجمان فعجز عنهما فاختار السيد فسخ كتابته ورده إلى الرق فله ذلك بغير حضور حاكم ولا سلطان ، ولا تلزمه الاستنابة . فعل ذلك ابن عمر وهو قول شريح والنخعي وأبي حنيفة والشافعي ، وقال ابن أبي ليلى : لا يكون عجزه إلا عند قاض ، وحكي نحو هذا عن مالك . وقال الحسن : إذا عجز استؤني بعد العجز سنتين .

وقال الأوزاعي : شهرين . . ونحو ذلك . ولنا ما روى سعيد بإسناده عن ابن عمر أنه كاتب غلاما له على ألف دينار فأدى إليه تسعمائة دينار وعجزه عن مائة دينار فرده إلى الرق . وبإسناده عن عطية العوفي عن ابن عمر أنه كاتب عبده على عشرين ألفا فأدى عشرة آلاف ، ثم أتاه فقال : إني قد طفت العراق والحجاز فردني في الرق ، فرده . وروي عنه أنه كاتب عبدا له على ثلاثين ألفا فقال له : أنا عاجز . فقال له : امح كتابتك . فقال : امح أنت .

وروى سعيد بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال : أيما رجل كاتب غلامه على مائة أوقية فعجز عن عشر أواق فهو رقيق . } ولأنه عقد عجز عن عوضه فملك مستحقه فسخه كالسلم إذا تعذر المسلم فيه ، ولأنه فسخ عقد مجمع عليه فلم يفتقر إلى الحاكم كفسخ المعتقة تحت العبد ، فإن قيل : فلم كانت الكتابة لازمة من جهة السيد ، غير لازمة من جهة العبد ؟ قلنا : هي لازمة من جهة الطرفين ولا يملك العبد فسخها بحال وإنما له أن يعجز نفسه ويمتنع من الكسب ، وإنما كان له ذلك لوجهين - أحدهما : أن الكتابة تتضمن إعتاقا بصفة ، ومن علق عتق عبده بصفة لم يملك إبطالها ويلزم وقوع العتق بالصفة ، ولا يلزم العبد الإتيان بالصفة ولا يجبر عليها .

الثاني : أن الكتابة لحظ العبد دون سيده فكان العقد لازما لمن ألزم نفسه حظ غيره ، وصاحب الحظ بالخيار فيه كمن ضمن لغيره شيئا ، أو كفل له ، أو رهن عنده رهنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية