صفحة جزء
( 991 ) مسألة : قال : ( والمني طاهر . وعن أبي عبد الله ، رحمه الله رواية أخرى ، أنه كالدم ) اختلفت الرواية عن أحمد في المني ، فالمشهور : أنه طاهر . وعنه أنه كالدم ، أي أنه نجس . ويعفى عن يسيره . وعنه : أنه لا يعفى عن يسيره . ويجزئ فرك يابسه على كل حال . والرواية الأولى هي المشهورة في المذهب ، وهو قول سعد بن أبي وقاص ، وابن عمر . وقال ابن عباس : امسحه عنك بإذخرة أو خرقة ، ولا تغسله إن شئت . وقال ابن المسيب : إذا صلى فيه لم يعد . وهو مذهب الشافعي ، وأبي ثور وابن المنذر .

وقال مالك : غسل الاحتلام أمر واجب . وعلى هذا مذهب الأوزاعي والثوري . وقال أصحاب الرأي : هو نجس ، ويجزئ فرك يابسه ; لما روت عائشة أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : ثم أرى فيه بقعة أو بقعا . وهو حديث صحيح . قال صالح : قال أبي : غسل المني من الثوب أحوط وأثبت في الرواية . وقد جاء الفرك أيضا عن عائشة رضي الله عنها { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المني يصيب الثوب : إن كان رطبا فاغسليه . وإن كان يابسا فافركيه } . وهذا أمر يقتضي الوجوب . ولأنه خارج معتاد من السبيل ، أشبه البول .

ولنا ، ما روت عائشة رضي الله عنها قالت { : كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيصلي فيه } . متفق عليه . وقال ابن عباس : امسحه عنك بإذخرة أو بخرقة ، ولا تغسله ، إنما هو كالبزاق والمخاط . رواه الدارقطني مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ولأنه لا يجب غسله إذا جف ، فلم يكن نجسا كالمخاط ، ولأنه بدء خلق آدمي ، فكان طاهرا كالطين ، ويفارق البول من حيث إنه بدء خلق آدمي . ( 992 ) فصل : فإن خفي موضع المني فرك الثوب كله ، إن قلنا بنجاسته ، وإن قلنا بطهارته استحب فركه .

وإن صلى فيه من غير فرك ، أجزأه . وهذا مذهب الشافعي وغيره ممن قال بالطهارة . وقال ابن عباس : ينضح الثوب كله . وبه قال النخعي وحماد . ونحوه عن عائشة وعطاء . وقال ابن عمر وأبو هريرة والحسن : يغسل الثوب كله . ولنا ، أن فركه يجزئ إذا علم مكانه ، فكذلك إذا خفي ، وأما النضح فلا يفيد ، فإنه لا يطهره إذا علم مكانه ، فكذلك إذا خفي . وأما إذا قلنا بالطهارة فلا يجب شيء من ذلك ، لكن يستحب ، كحال العلم به .

[ ص: 417 ] فصل : قال أحمد رحمه الله : إنما يفرك مني الرجل ، أما مني المرأة فلا يفرك ; لأن الذي للرجل ثخين ، والذي للمرأة رقيق . والمعنى في هذا أن الفرك يراد للتخفيف والرقيق لا يبقى له جسم بعد جفافه يزول بالفرك ، فلا يفيد فيه شيئا ، فعلى هذا إن قلنا بنجاسته ، فلا بد من غسله رطبا كان أو يابسا ، كالبول . وإن قلنا بطهارته ، استحب غسله ، كما يستحب فرك مني الرجل .

وأما الطهارة والنجاسة فلا يفترقان فيه ; لأن كل واحد منهما مني ، وهو بدء لخلق آدمي ، خارج من السبيل . ( 994 ) فصل : فأما العلقة ، فقال ابن عقيل : فيها روايتان ، كالمني ; لأنها بدء خلق آدمي . والصحيح نجاستها ; لأنها دم ، ولم يرد من الشرع فيها طهارة ، وقياسها على المني ممتنع ، لكونها دما خارجا من الفرج ، فأشبهت دم الحيض ( 995 ) . فصل : ومن أمنى وعلى فرجه نجاسة نجس منيه ; لإصابته النجاسة ، ولم يعف عن يسيره لذلك . وذكر القاضي في المني من الجماع أنه نجس ; لأنه لا يسلم من المذي . وقد ذكرنا فساد هذا . فإن مني النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان من جماع ، وهو الذي وردت الأخبار بفركه ، والطهارة لغيره إنما أخذت من طهارته ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية