صفحة جزء
( 1008 ) فصل : إذا سبق الإمام الحدث فله أن يستخلف من يتم بهم الصلاة ، روي ذلك عن عمر وعلي ، وعلقمة ، وعطاء ، والحسن ، والنخعي ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . وحكي عن أحمد رواية أخرى ، أن صلاة المأمومين تبطل ; لأن أحمد قال : كنت أذهب إلى جواز الاستخلاف ، وجبنت عنه . وقال أبو بكر : تبطل صلاتهم ، رواية واحدة ; لأنه فقد شرط صحة الصلاة في حق الإمام ، فبطلت صلاة المأموم ، كما لو تعمد الحدث . ولنا ، أن عمر رضي الله عنه ، لما طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه ، فأتم بهم الصلاة ، وكان ذلك بمحضر من الصحابة وغيرهم ولم ينكره منكر ، فكان إجماعا .

وقد احتج أحمد بقول عمر وعلي ، وقولهما عنده حجة ، فلا معدل عنه . وقول أحمد : جبنت عنه . إنما يدل على التوقف ، وتوقفه مرة لا يبطل ما انعقد الإجماع عليه . وإذا ثبت هذا فإن للإمام أن يستخلف من يتم بهم الصلاة ، كما فعل عمر رضي الله عنه وإن لم يستخلف فقدم المأمومون منهم رجلا فأتم بهم ، جاز . وإن صلوا وحدانا جاز . قال الزهري ، في إمام ينوبه الدم أو رعف أو يجد مذيا ينصرف ، وليقل : أتموا صلاتكم . وقال الشافعي ، في آخر قوليه : الاختيار أن يصلي القوم فرادى إذا كان ذلك . ولعل توقف أحمد إنما كان في الاستخلاف ، لا في صحة صلاة المأمومين ، فإنه قد نص على أن صلاة المأمومين لا تفسد بضحك الإمام ، فهذا أولى .

وإن قدمت كل طائفة من المأمومين لهم إماما فصلى بهم ، فقياس المذهب جوازه ، وهو مذهب الشافعي . وقال أصحاب الرأي : تفسد صلاتهم كلهم . ولنا ، أن لهم أن يصلوا وحدانا . فكان لهم أن يقدموا رجلا ، كحالة ابتداء الصلاة وإن قدم بعضهم رجلا ، وصلى الباقون وحدانا ، جاز .

( 1009 ) فصل : فأما الذي سبقه الحدث ، فتبطل صلاته ، ويلزمه استئنافها . قال أحمد : يعجبني أن يتوضأ ويستقبل . هذا قول الحسن وعطاء والنخعي ومكحول . وعن أحمد أنه يتوضأ ، ويبني . وروي ذلك عن ابن عمر ، وابن عباس ; لما روي عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من قاء أو رعف في صلاته ، فلينصرف ، فليتوضأ ، وليبن على ما مضى من صلاته } . وعنه ، رواية ثالثة ، إن كان الحدث من السبيلين ابتدأ ، وإن كان من غيرهما بنى [ ص: 422 ] لأن حكم نجاسة السبيل أغلظ ، والأثر إنما ورد بالبناء في الخارج من غير السبيل ، فلا يلحق به ما ليس في معناه .

والصحيح الأول ; لما روى علي بن طلق ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا فسا أحدكم في صلاته ، فلينصرف ، فليتوضأ ، وليعد صلاته } . رواه أبو داود ، والأثرم . وعن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه { ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائما يصلي بهم ، فانصرف ، ثم جاء ورأسه يقطر ، فقال : إني قمت بكم ، ثم ذكرت أني كنت جنبا ولم أغتسل ، فانصرفت فاغتسلت ، فمن أصابه منكم مثل الذي أصابني ، أو أصابه في بطنه رز ، فلينصرف فليغتسل ، أو ليتوضأ ، وليستقبل صلاته } رواه الأثرم . ولأنه فقد شرط الصلاة في أثنائها على وجه لا يعود إلا بعد زمن طويل وعمل كثير ، ففسدت صلاته ، كما لو تنجس نجاسة يحتاج في إزالتها إلى مثل ذلك ، أو انكشفت عورته ولم يجد السترة إلا بعيدة منه ، أو تعمد الحدث ، أو انقضت مدة المسح ، وحديثهم ضعيف .

( 1010 ) فصل : قال أصحابنا : يجوز أن يستخلف من سبق ببعض الصلاة ، ولمن جاء بعد حدث الإمام ، فيبني على ما مضى من صلاة الإمام من قراءة أو ركعة أو سجدة ، ويقضي بعد فراغ صلاة المأمومين . وحكي هذا القول عن عمر وعلي ، وأكثر من وافقهما في الاستخلاف . وفيه رواية أخرى ، أنه مخير بين أن يبني أو يبتدئ قال مالك : ويصلي لنفسه صلاة تامة ، فإذا فرغوا من صلاتهم قعدوا وانتظروه حتى يتم ويسلم معهم ; لأن اتباع المأمومين للإمام أولى من اتباعه لهم ، فإن الإمام إنما جعل ليؤتم به . وعلى كلتا الروايتين إذا فرغ المأمومون قبل فراغ إمامهم ، وقام لقضاء ما فاته ، فإنهم يجلسون وينتظرونه حتى يتم ويسلم بهم ; لأن الإمام ينتظر المأمومين في صلاة الخوف ، فانتظارهم له أولى . وإن سلموا ولم ينتظروه جاز .

وقال ابن عقيل : يستخلف من يسلم بهم ، والأولى انتظاره . وإن سلموا لم يحتاجوا إلى خليفة ، فإنه لم يبق من الصلاة إلا السلام ، فلا حاجة إلى الاستخلاف فيه . ويقوى عندي أنه لا يصح الاستخلاف في هذه الصورة ; لأنه إن بنى جلس في غير موضع جلوسه ، وصار تابعا للمأمومين ، وإن ابتدأ جلس المأمومون في غير موضع جلوسهم ، ولم يرد الشرع بهذا ، وإنما ثبت الاستخلاف في موضع الإجماع حيث لم يحتج إلى شيء من هذا ، فلا يلحق به ما ليس في معناه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية