صفحة جزء
( 1109 ) فصل : كره أبو عبد الله القراءة بالألحان ، وقال : هي بدعة ; وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه ذكر في أشراط الساعة أن يتخذ القرآن مزامير ، يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم غناء } ولأن القرآن معجز في لفظه ونظمه ، والألحان تغيره . وكلام أحمد في هذا محمول على الإفراط في ذلك ، بحيث يجعل الحركات حروفا ، ويمد في غير موضعه ، فأما تحسين القراءة والترجيع فغير مكروه ; فإن عبد الله بن المغفل [ ص: 460 ] قال : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يقرأ سورة الفتح . قال : فقرأ ابن المغفل ، فرجع في قراءته . وفي لفظ قال : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته ، فرجع في قراءته } قال معاوية بن قرة : لولا أني أخاف أن تجتمع علي الناس لحكيت لكم قراءته . . رواهما مسلم .

وفي بعض الألفاظ فقال : " أ أ أ " . وروى أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن } ، يجهر به . يعني ليستمع .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم { زينوا القرآن بأصواتكم } وقال النبي صلى الله عليه وسلم { ليس منا من لم يتغن بالقرآن } وقد اختلف السلف في معنى قوله : " يتغنى بالقرآن " فقال : ابن عيينة ، وأبو عبيد ، وجماعة ، وغيرهما : معناه يستغني بالقرآن . قال أبو عبيد : وكيف يجوز أن يحمل على أن من لم يغن بالقرآن ليس من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وقالت طائفة منهم : معناه يحسن قراءته ، ويترنم به ، ويرفع صوته به . كما قال أبو موسى للنبي صلى الله عليه وسلم : لو علمت أنك تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيرا . وقال الشافعي : يرفع صوته به . وقال أبو عبد الله : حزنه فيقرؤه بحزن مثل صوت أبي موسى .

وعلى كل حال ، فقد ثبت أن تحسين الصوت بالقرآن ، وتطريبه ، مستحب غير مكروه ، ما لم يخرج ذلك إلى تغيير لفظه ، وزيادة حروفه ، فقد روي { عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : أستمع قراءة رجل في المسجد لم أسمع قراءة أحسن من قراءته . فقام النبي صلى الله عليه وسلم فاستمع قراءته ، ثم قال هذا سالم مولى أبي حذيفة ، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا } . { وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى : إني مررت بك البارحة وأنت تقرأ ، فقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود فقال أبو موسى : لو أعلم أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا } . مع ما ذكرنا من الأخبار ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية