صفحة جزء
( 1159 ) مسألة : قال : ( ولا يكون الإمام أعلى من المأموم ) . المشهور في المذهب أنه يكره أن يكون الإمام أعلى من المأمومين ، سواء أراد تعليمهم الصلاة أو لم يرد ، وهو قول مالك ، والأوزاعي ، وأصحاب الرأي . وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا يكره ; فإن علي بن المديني قال : سألني أحمد عن حديث سهل بن سعد ، وقال : إنما أردت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلى من الناس .

فلا بأس أن يكون الإمام أعلى من الناس بهذا الحديث . وقال الشافعي : أختار للإمام الذي يعلم من خلفه أن يصلي على الشيء المرتفع ، فيراه من خلفه ، فيقتدون به ; لما روى سهل بن سعد ، قال { : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه - يعني المنبر - فكبر ، وكبر الناس وراءه ، ثم ركع وهو على المنبر ، ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ، ثم أقبل على الناس فقال : أيها الناس ، إنما فعلت هذا لتأتموا بي ، ولتعلموا صلاتي } . متفق عليه .

ولنا ، ما روي أن عمار بن ياسر كان بالمدائن ، فأقيمت الصلاة ، فتقدم عمار فقام على دكان ، والناس أسفل منه ، فتقدم حذيفة فأخذ بيده فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة ، فلما فرغ من صلاته ، قال له حذيفة : ألم تسمع رسول الله [ ص: 22 ] صلى الله عليه وسلم يقول { : إذا أم الرجل القوم ، فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم } ؟ قال عمار : فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي . وعن همام ، أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان ، فأخذ أبو مسعود بقميصه ، فجبذه ، فلما فرغ من صلاته ، قال : ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك ؟ قال : بلى ، فذكرت حين مددتني . رواهما أبو داود . وعن ابن مسعود ، أن رجلا تقدم يؤم بقوم على مكان ، فقام على دكان ، فنهاه ابن مسعود ، وقال للإمام : استو مع أصحابك .

ولأنه يحتاج أن يقتدي بإمامه ، فينظر ركوعه وسجوده ، فإذا كان أعلى منه احتاج أن يرفع بصره إليه ليشاهده ، وذلك منهي عنه في الصلاة . فأما حديث سهل ، فالظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الدرجة السفلى ، لئلا يحتاج إلى عمل كبير في الصعود والنزول ، فيكون ارتفاعا يسيرا ، فلا بأس به ، جمعا بين الأخبار ، ويحتمل أن يختص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه فعل شيئا ونهى عنه ، فيكون فعله له ونهيه لغيره ، ولذلك لا يستحب مثله لغير النبي صلى الله عليه وسلم . ولأن النبي لم يتم الصلاة على المنبر ، فإن سجوده وجلوسه إنما كان على الأرض ، بخلاف ما اختلفنا فيه . ( 1160 ) فصل : ولا بأس بالعلو اليسير ; لحديث سهل ، ولأن النهي معلل بما يفضي إليه من رفع البصر في الصلاة ، وهذا يخص الكثير ، فعلى هذا يكون اليسير مثل درجة المنبر ونحوها ، لما ذكرنا في حديث سهل ، والله أعلم .

( 1161 ) فصل : فإن صلى الإمام في مكان أعلى من المأمومين ، فقال ابن حامد : لا تصح صلاتهم . وهو قول الأوزاعي ; لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه . وقال القاضي : لا تبطل وهو قول أصحاب الرأي ; لأن عمارا أتم صلاته ; ولو كانت فاسدة ، لاستأنفها ، ولأن النهي معلل بما يفضي إليه من رفع البصر في الصلاة ، وذلك لا يفسدها ، فسببه أولى . ( 1162 ) فصل : وإن كان مع الإمام من هو مساو له أو أعلى منه ، ومن هو أسفل منه اختصت الكراهة بمن هو أسفل منه ، لأن المعنى وجد فيهم دون غيرهم ، ويحتمل أن يتناول النهي الإمام ; لكونه منهيا عن القيام في مكان أعلى من مقامهم ، فعلى هذا الاحتمال تبطل صلاة الجميع عند من أبطل الصلاة بارتكاب النهي .

التالي السابق


الخدمات العلمية