صفحة جزء
( 1163 ) مسألة : قال : ( ومن صلى خلف الصف وحده ، أو قام بجنب الإمام عن يساره ، أعاد الصلاة ) وجملته أن من صلى وحده ركعة كاملة ، لم تصح صلاته . وهذا قول النخعي ، والحكم ، والحسن بن صالح ، وإسحاق ، وابن المنذر . وأجازه الحسن ، ومالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ; لأن أبا بكرة ركع دون الصف ، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة ، ولأنه موقف للمرأة فكان موقفا للرجل ، كما لو كان مع جماعة . ولنا ، ما روى وابصة بن معبد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم { رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده ، فأمره أن يعيد . } رواه أبو داود ، وغيره . وقال أحمد : حديث وابصة حسن . وقال ابن المنذر : ثبت الحديث أحمد وإسحاق . وفي لفظ : { سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل صلى وراء الصفوف وحده . قال : يعيد } . رواه تمام في " الفوائد " . وعن علي بن شيبان ، أنه { صلى بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم فانصرف ورجل فرد خلف الصف ، فوقف نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف الرجل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : استقبل صلاتك ، ولا صلاة لفرد خلف الصف . } . رواه الأثرم . وقال : قلت لأبي عبد الله : [ ص: 23 ] حديث ملازم بن عمرو - يعني هذا الحديث في هذا أيضا - حسن ؟ قال : نعم ولأنه خالف الموقف ، فلم تصح صلاته ، كما لو وقف أمام الإمام ، فأما حديث أبي بكرة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهاه فقال : " لا تعد " .

والنهي يقتضي الفساد ، وعذره فيما فعله لجهله بتحريمه ، وللجهل تأثير في العفو ، ولا يلزم من كونه موقفا للمرأة كونه موقفا للرجل ، بدليل اختلافهما في كراهية الوقوف واستحبابه . وأما إذا وقف عن يسار الإمام ، فإن كان عن يمين الإمام أحد ، صحت صلاته ; لأن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود ، فلما فرغوا قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل . رواه أبو داود . ولأن وسط الصف موقف للإمام في حق النساء والعراة ، وإن لم يكن عن يمينه أحد فصلاة من وقف عن يساره فاسدة ، سواء كان واحدا أو جماعة ، وأكثر أهل العلم يرون للمأموم الواحد أن يقف عن يمين الإمام ، وأنه إن وقف عن يساره ، خالف السنة .

وحكي عن سعيد بن المسيب ، أنه كان إذا لم يكن معه إلا مأموم واحد جعله عن يساره . وقال مالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي : إن وقف عن يسار الإمام صحت صلاته ; لأن ابن عباس لما أحرم عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم أداره عن يمينه ، ولم تبطل تحريمته ، ولو لم يكن موقفا ، لاستأنف التحريمة ، كأمام الإمام ، ولأنه موقف فيما إذا كان عن الجانب الآخر آخر ، فكان موقفا ، وإن لم يكن آخر كاليمين ، ولأنه أحد جانبي الإمام ، فأشبه اليمين .

ولنا ، أن ابن عباس ، قال : { قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ، فجئت ، فقمت فوقفت عن يساره ، فأخذ بذؤابتي ، فأدارني عن يمينه } . متفق عليه . وروى جابر ، قال : { قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ، فجئت ، فوقفت عن يساره ، فأدارني عن يمينه } . رواه أبو داود . وقولهم : إنه لم يأمره بابتداء التحريمة . قلنا : لأن ما فعله قبل الركوع لا يؤثر ، فإن الإمام يحرم قبل المأمومين ، ولا يضر انفراده بما قبل إحرامهم ، وكذلك المأمومون يحرم أحدهم قبل الباقين فلا يضر ، ولا يلزم من العفو عن ذلك العفو عن ركعة كاملة . وقولهم : إنه موقف إذا كان عن يمين الإمام آخر . قلنا : كونه موقفا في صورة لا يلزم منه كونه موقفا في أخرى ، كما خلف الصف ، فإنه موقف لاثنين ، ولا يكون موقفا لواحد ، فإن منعوا هذا أثبتناه بالنص .

( 1164 ) فصل : فإن وقف عن يسار إمامه وخلف الإمام صف ، احتمل أن تصح صلاته ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جلس عن يسار أبي بكر ، وقد روي أن أبا بكر كان الإمام ولأن مع الإمام من تنعقد صلاته به ، فصح الوقوف عن يساره ، كما لو كان معه عن يمينه آخر ، واحتمل أن لا تصح ; لأنه ليس بموقف إذا لم يكن صف ، فلم يكن موقفا مع الصف كأمام الإمام ، وفارق ما إذا كان عن يمينه آخر ، لأنه معه في الصف ، فكان صفا واحدا ، كما لو كان وقف معه خلف الصف . ( 1165 ) فصل : السنة أن يقف المأمومون خلف الإمام ، فإن وقفوا قدامه ، لم تصح ، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي . وقال مالك ، وإسحاق : تصح لأن ذلك لا يمنع الاقتداء به ، فأشبه من خلفه .

ولنا قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما جعل الإمام ليؤتم به " . ولأنه يحتاج في الاقتداء إلى الالتفات إلى ورائه ، ولأن [ ص: 24 ] ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا هو في معنى المنقول . فلم يصح ، كما لو صلى في بيته بصلاة الإمام ويفارق من خلف الإمام فإنه لا يحتاج في الاقتداء إلى الالتفات إلى ورائه .

( 1166 ) فصل : وإذا كان المأموم واحدا ذكرا ، فالسنة أن يقف عن يمين الإمام رجلا كان ، أو غلاما ; لحديث ابن عباس وأنس ، وروى جابر بن عبد الله ، قال : { سرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ، فقام يصلي ، فتوضأت ، ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ، فجاء جبار بن صخر حتى قام عن يساره ، فأخذنا بيديه جميعا حتى أقامنا خلفه . } رواه مسلم ، وأبو داود . فإن كانوا ثلاثة تقدم الإمام ، ووقف المأمومان خلفه . وهذا قول عمر ، وعلي ، وجابر بن زيد ، والحسن ، وعطاء ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

وكان ابن مسعود يرى أن يقفوا جميعا صفا . ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج جبارا وجابرا ، فجعلهما خلفه ، ولما صلى بأنس واليتيم جعلهما خلفه ، وحديث ابن مسعود يدل على جواز ذلك ، وحديث جابر وجبار يدل على الفضل ; لأنه أخرهما إلى خلفه ، ولا ينقلهما إلا إلى الأكمل . فإن كان أحد المأمومين صبيا ، وكانت الصلاة تطوعا ، جعلهما خلفه ، لخبر أنس . وإن كانت فرضا ، جعل الرجل عن يمينه ، والغلام عن يساره ، كما جاء في حديث ابن مسعود . وإن جعلهما جميعا عن يمينه جاز ، وإن وقفهما خلفه ، فقال بعض أصحابنا : لا تصح ; لأنه لا يؤمه ، فلم يصافه كالمرأة .

ويحتمل أن تصح ; لأنه بمنزلة المتنفل ، والمتنفل يصح أن يصاف المفترض ، كذا هاهنا . ( 1167 ) فصل : وإن أم امرأة وقفت خلفه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أخروهن من حيث أخرهن الله } . ولأن أم أنس وقفت خلفهما وحدها . فإن كان معهما رجل وقف عن يمينه ، ووقفت المرأة خلفهما . وإن كان معهما رجلان وقفا خلفه ، ووقفت المرأة خلفهما . وإن كان أحدهما غلاما في تطوع ، وقف الرجل والغلام وراءه ، والمرأة خلفهما ; لحديث أنس . وإن كانت فريضة ، فقد ذكرنا ذلك . وتقف المرأة خلفهما .

وإن وقفت معهم في الصف في هذه المواضع ، صح ولم تبطل صلاتها ولا صلاتهم على ما ذكرنا فيما تقدم . وإن وقف الرجل الواحد والمرأة خلف الإمام . فقال ابن حامد : لا تصح ; لأنها لا تؤمه ، فلا تكون معه صفا . وقال ابن عقيل : تصح على أصح الوجهين ; لأنه وقف معه مفترض صلاته صحيحة ، فأشبه ما لو وقف معه رجل ، وليس من الشرط أن يكون ممن تصح إمامته ، بدليل القارئ . مع الأمي ، والفاسق والمتنفل مع المفترض ( 1168 ) فصل : إذا كان المأموم واحدا ، فكبر عن يسار الإمام ، أداره الإمام عن يمينه ، ولم تبطل تحريمته ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بابن عباس وجابر .

وإن كبر فذا خلف الإمام ، ثم تقدم عن يمينه ، أو جاء آخر فوقف معه ، أو تقدم إلى صف بين يديه ، أو كانا اثنين فكبر أحدهما وتوسوس الآخر ، ثم كبر قبل رفع الإمام رأسه من الركوع ، أو كبر واحد عن يمينه فأحس بآخر ، فتأخر معه قبل أن يحرم الثاني ، ثم أحرم معه أو أحرم عن يساره ، فجاء آخر ، فوقف عن يمينه قبل رفع الإمام رأسه من الركوع ، صحت صلاتهم . وقد نص أحمد ، في رواية الأثرم ، في [ ص: 25 ] الرجلين يقومان خلف الإمام ، ليس خلفه غيرهما ، فإن كبر أحدهما قبل صاحبه خاف أن يدخل في الصلاة خلف الصف ، فقال : ليس هذا من ذاك ، ذاك في الصلاة بكمالها ، أو صلى ركعة كاملة ، وما أشبه هذا ، فأما هذا فأرجو أن لا يكون به بأس .

ولو أحرم رجل خلف الصف ، ثم خرج من الصف رجل فوقف معه ، صح ; لما ذكرنا . ( 1169 ) فصل : وإن كبر المأموم عن يمين الإمام ، ثم جاء آخر فكبر عن يساره ، أخرجهما الإمام إلى ورائه ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بجابر وجبار ، ولا يتقدم الإمام ، إلا أن يكون وراءه ضيق . وإن تقدم ، جاز ، وإن كبر الثاني مع الأول عن اليمين وخرجا ، جاز . وإن دخل الثالث ، وهما في التشهد ، كبر وجلس عن يمين صاحبه ، أو عن يساره ، ولا يتأخران في التشهد ، فإن في ذلك مشقة .

( 1170 ) فصل : وإن أحرم اثنان وراء الإمام ، فخرج أحدهما لعذر ، أو لغير عذر ، دخل الآخر في الصف ، أو نبه رجلا فخرج معه ، أو دخل فوقف عن يمين الإمام ، فإن لم يمكنه شيء من ذلك نوى الانفراد ، وأتم منفردا ; لأنه عذر حدث له ، فأشبه ما لو سبق إمامه الحدث .

التالي السابق


الخدمات العلمية