صفحة جزء
( 1224 ) مسألة ; قال : ( ولا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم ) . يعني إذا مر بين يديه . هذا المشهور عن أحمد رحمه الله ، نقله الجماعة عنه . قال الأثرم : سئل أبو عبد الله ما يقطع الصلاة ؟ قال لا يقطعها عندي شيء إلا الكلب الأسود البهيم .

وهذا قول عائشة وحكي عن طاوس وروى عن معاذ ومجاهد أنهما قالا : الكلب الأسود البهيم شيطان ، وهو يقطع الصلاة . ومعنى البهيم الذي ليس في لونه شيء سوى السواد . وعن أحمد رواية أخرى ، أنه يقطعها الكلب الأسود ، والمرأة إذا مرت ، والحمار .

قال : وحديث عائشة من الناس من قال : ليس بحجة على هذا ; لأن المار غير اللابث ، وهو في التطوع ، وهو أسهل ، والفرض آكد . وحديث ابن عباس : مررت بين يدي بعض الصف . ليس بحجة ; لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه وروي هذا القول عن أنس وعكرمة ، والحسن ، وأبي الأحوص .

ووجه هذا القول ما روى أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يقطع الصلاة المرأة ، والحمار ، والكلب ، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل . }

وعن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا قام أحدكم يصلي ، فإنه يستره مثل آخرة الرحل ، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار ، والمرأة ، والكلب الأسود } قال عبد الله بن الصامت : يا أبا ذر ، ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ؟ قال : يا ابن أخي ، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال [ ص: 44 ] { الكلب الأسود شيطان } . رواهما مسلم ، وأبو داود وغيرهما . وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي مر بين يديه على حمار : " قطع صلاتنا " . وقد ذكرنا هذا الحديث

وكان ابن عباس وعطاء يقولان : يقطع الصلاة الكلب ، والمرأة الحائض ورواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم . أخرجه أبو داود ، وابن ماجه . قال أبو داود : رفعه شعبة ، ووقفه ، سعيد ، وهشام ، وهمام ، على ابن عباس .

وقال عروة ، والشعبي ، والثوري ، ومالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي : لا يقطع الصلاة شيء ; لما روى أبو سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يقطع الصلاة شيء } . رواه أبو داود .

وعن الفضل بن عباس قال : { أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية ، فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة ، وحمارة لنا وكلبة يعبثان بين يديه ، فما بالى ذلك } رواه أبو داود . وقالت عائشة : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل ، وأنا معترضة بينه وبين القبلة } . وحديث ابن عباس : { أقبلت راكبا على حمار أتان ، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي ، فمررت على بعض الصف ، ونزلت ، فأرسلت الأتان ترتع . فدخلت في الصف ، فلم ينكر علي أحد } . متفق عليهما .

وحديث زينب بنت أم سلمة ، حين مرت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقطع صلاته . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ، فجاءت جاريتان من بني عبد المطلب ، حتى أخذتا بركبتيه ، فقرع بينهما فما بالى ذلك . ولنا ، حديث أبي هريرة وأبي ذر ، وحديث أبي سعيد : { لا يقطع الصلاة شيء } . يرويه مجالد بن سعيد ، وهو ضعيف ، فلا يعارض به الحديث الصحيح ، ثم حديثنا أخص ، فيجب تقديمه لصحته وخصوصه ، وحديث الفضل بن عباس في إسناده مقاتل ،

ثم يحتمل أن الكلب لم يكن أسود ولا بهيما ، ويجوز أن يكونا بعيدين ، ثم هذه الأحاديث كلها في المرأة ، والحمار ، يعارض حديث أبي هريرة وأبي ذر فيهما ، فيبقى الكلب الأسود خاليا عن معارض ، فيجب القول به لثبوته ، وخلوه عن معارض ( 1225 ) فصل : ولا يقطع الصلاة شيء سوى ما ذكرنا ، لا من الكلاب ولا من غيرها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم خصها بالذكر .

وقيل له : ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ؟ قال : " الكلب الأسود شيطان " وكذلك الكلب الأسود إذا لم يكن بهيما لم يقطع الصلاة ; لتخصيصه البهيم بالذكر ، ولقوله عليه السلام : { لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها كل أسود بهيم ، فإنه شيطان } . فبين أن الشيطان هو الأسود البهيم ، قال ثعلب : البهيم كل لون لم يخالطه لون آخر فهو بهيم . فمتى كان فيه لون آخر فليس ببهيم . وإن كان بين عينيه نكتتان يخالفان لونه لم يخرج بهذا عن كونه بهيما ،

يتعلق به أحكام الأسود البهيم ; من قطع الصلاة ، وتحريم صيده ، وإباحة قتله ; فإنه قد روي في حديث : { عليكم بالأسود البهيم ذي الغرتين ، فإنه شيطان } .

التالي السابق


الخدمات العلمية