صفحة جزء
( 1235 ) مسألة ; قال : ( إذا جاوز بيوت قريته ) . وجملته أنه ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت قريته ، ويجعلها وراء ظهره . وبهذا قال مالك ، والشافعي ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وحكي ذلك عن جماعة من التابعين . وحكي عن عطاء ، وسليمان بن موسى ، أنهما أباحا القصر في البلد لمن نوى السفر . .

وعن الحارث بن أبي ربيعة ، أنه أراد سفرا ، فصلى بهم في منزله ركعتين ، وفيهم الأسود بن يزيد ، وغير واحد من أصحاب عبد الله . وروى عبيد بن جبر ، قال : { كنت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط ، في شهر رمضان ، فدفع ، ثم قرب غذاؤه ، فلم يجاوز البيوت حتى دعا [ ص: 50 ] بالسفرة ، ثم قال : اقترب . فقلت : ألست ترى البيوت ؟ قال أبو بصرة : أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأكل } . رواه أبو داود .

ولنا ، قول الله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ولا يكون ضاربا في الأرض حتى يخرج ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبتدئ القصر إذا خرج من المدينة . قال أنس : { صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا ، وبذي الحليفة ركعتين } . متفق عليه ، فأما أبو بصرة فإنه لم يأكل حتى دفع ، وقوله : لم يجاوز البيوت : معناه - والله أعلم - لم يبعد منها ; بدليل قول عبيد له : ألست ترى البيوت ؟ إذا ثبت هذا ; فإنه يجوز له القصر وإن كان قريبا من البيوت .

قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، أن للذي يريد السفر أن يقصر الصلاة إذا خرج من بيوت القرية التي يخرج منها . وروي عن مجاهد ، أنه قال : إذا خرجت مسافرا فلا تقصر الصلاة يومك ذلك إلى الليل ، وإذا رجعت ليلا فلا تقصر ليلتك حتى تصبح . ولنا قول الله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } .

وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من المدينة لم يزد على ركعتين حتى يرجع إليها . وحديث أبي بصرة ، وقال عبد الرحمن الهمذاني : خرجنا مع علي رضي الله عنه مخرجه إلى صفين ، فرأيته صلى ركعتين بين الجسر وقنطرة الكوفة . وقال البخاري : خرج علي فقصر ، وهو يرى البيوت ، فلما رجع قيل له : هذه الكوفة . قال : لا حتى ندخلها . ولأنه مسافر ، فأبيح له القصر ، كما لو بعد .

( 1236 ) فصل : وإن خرج من البلد ، وصار بين حيطان بساتينه ، فله القصر ; لأنه قد ترك البيوت وراء ظهره وإن كان حول البلد خراب قد تهدم وصار فضاء ، أبيح له القصر فيه كذلك . وإن كانت حيطانه قائمة فكذلك . قاله الآمدي ، وقال القاضي : لا يباح . وهو مذهب الشافعي لأن السكنى فيه ممكنة ، أشبه العامر . ولنا ، أنها غير معدة للسكنى ، أشبهت حيطان البساتين .

وإن كان في وسط البلد نهر فاجتازه ، فليس له القصر ; لأنه لم يخرج من البلد ولم يفارق البنيان ، فأشبه الرحبة والميدان في وسط البلد . وإن كان للبلد محال ، كل محلة منفردة عن الأخرى ، كبغداد ، فمتى خرج من محلته أبيح له القصر إذا فارق محلته ، وإن كان بعضها متصلا ببعض ، لم يقصر حتى يفارق جميعها . ولو كانت قريتان متدانيتين ، فاتصل بناء إحداهما بالأخرى ، فهما كالواحدة ، وإن لم يتصل ، فلكل قرية حكم نفسها .

( 1237 ) فصل : وإذا كان البدوي في حلة ، لم يقصر حتى يفارق حلته ، وإن كانت حللا فلكل حلة حكم نفسها ، كالقرى . وإن كان بيته منفردا فحتى يفارق منزله ورحله ، ويجعله وراء ظهره ، كالحضري .

التالي السابق


الخدمات العلمية