مشكلات في طريق الحياة الإسلامية

محمد الغزالي

صفحة جزء
الثقافة الذاتية

إن هـذه الثقافة الذاتية هـي إكسير الحياة للأمة، والمجدد الدائب لطاقاتها الأدبية والمادية.

ومن هـنا اتجه الاستعمار العالمي إلى ضرب هـذه الثقافة، وتوهين معاهدها، فإما أجهز عليها، وإما شل حراكها وأبقاها صورة هـامدة، أو اسما بلا مضمون.

وذلك ما حدث لجامعة القرويين والزيتونة والأزهر والجامعات الإسلامية في ليبيا والسودان وأقطار أخرى..

ونتج عن ذلك أمران خطيران: اضمحلال العقل الإسلامي، وضعف الدراسات الدينية... ثم اضمحلال اللغة العربية وآدابها وانكماشها أمام التقدم الحضاري وقلة المجيدين لها، وكثرة اللاحنين دون أدنى حياء..

ولما كان ساسة العرب وقادتهم من خريجي التعليم المدني ـأكثر من 99% منهم بعيد الذهن عن ثقافتنا الذاتيةـ فإن النهضة الإسلامية تتعثر حينا وتتقهقر حينا، وإذا تقدمت خطوة ففي وجه صعوبات دامية.. [ ص: 46 ]

وقد شعرت بالخزي وأنا أسمع هـؤلاء يخطبون! إنهم يتحدثون عادة بلغة الدهماء، وإذا جرت على ألسنتهم كلمات عربية، فإن (بدء) تنطق بكسر الباء! و(من ثم) تنطق بضم الثاء! أما قوعد النحو، فحدث ولا حرج عما يعتريها من إهانة!

والأغرب من ذلك أن محطات الإذاعة تنشر دراسة متصلة عن ((الخصائص البلاغية)) لصاحب هـذه الخطابة العامية، ولم يبق إلا أن ننشر بحوثا أخرى عن مظاهر البديع والبيان والمعاني في بغام الدواب ونقيق الضفادع!!!

ولا أعرف لغة اعتدى على شرفها كما يعتدى هـؤلاء على اللغة العربية المسكينة..!

أما الدين نفسه فحديث مملول، وتذكير بما مات أو بما ينبغي أن يموت، ولكن هـذا الشعور يغلف ببعض عبارات المجاملة أو التوقير المصنوع اتقاء لغضب الجمهور.

فإذا أمن ذلك الغضب في مجتمع ذليل، أو منحل فالدين رجعية، والصلاة مشغلة للوقت.. والصيام معطل للإنتاج..

وهذا كله يقع والعرب في حرب مع اليهود الذين أحيوا لغتهم، ومزقوا عنها الأكفان، وأحيوا صلواتهم، ومشوا لأدائها في عواصم أميركا وباعتزاز وثقة...

التالي السابق


الخدمات العلمية