نظرات في مسيرة العمل الإسلامي

عمر عبيد حسنة

صفحة جزء
الرؤية الدينية التوراتية والمواجهة الصادقة

( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود ) (المائدة: 82)

من الحقائق التي لم تبق محلا للنظر والدراسة والاستنتاج، سواء على مستوى الفرد أم مستوى الجماعة: أن التاريخ بقسميه، الخاص والعام، هـو عصارة التجارب في مختلف الظروف والأزمان، وإنه من المعالم الأساسية التي تهتدي بها الأمم، في معالجة حاضرها وقراءة مستقبلها، والتخطيط له على ضوء الماضي، ذلك أن التاريخ هـو نتاج عقول أجيال كاملة، وخلاصة تجارب بشرية طويلة، توضع تحت تصرف جيل، في خدمة حاضر الأمة، وبناء مستقبلها، فهو من هـذا الجانب: اجتماع للعقول في عقل، واختصار للأعمار في عمر، واستحضار للزمن بقرونه المتطاولة في عصر.

هذا ما لم تكن الأمة، لسبب أو لآخر، محكوما عليها أن تعيش خارج التاريخ، أو تكون عاجزة عن هـضم تجاربها، والاستبصار بماضيها، إن لم نقل الاستفادة من تجارب الآخرين، أو أن يقرأ لها التاريخ قراءة مغلوطة، تفسر تفسيرا بعيدا عن الحقائق التي صنعت تاريخ الأمة، فيزيد ذلك في ضلالها وإضلالها وتخلفها، وبذلك تعيش الأمة تائهة مترنحة، كالشجرة التي [ ص: 155 ] اجتثت جذورها.. تتقاذفها الرياح شرقا وغربا ولا تقدر على الثبات أمام عوادي الزمن، وتحاول عبثا أن تستغني بأوراقها عن جذورها..

والذي ينظر إلى أمتنا والحال الذي انتهت إليه، والمصير الذي ينتظرها، أو الذي تقاد إليه على يد بعض أبنائها أو الذين ينتسبون إليها، يتملكه الإحساس أن هـذه الأمة تعيش الآن خارج التاريخ ولا تستطيع تمثل تجاربها الخاصة والاعتبار بها، بالنسبة لأكثر مشاكلها والطريقة التي تعالج بها قضاياها.

التالي السابق


الخدمات العلمية