نظرات في مسيرة العمل الإسلامي

عمر عبيد حسنة

صفحة جزء
مواجهة تاريخية دائبة

والمتتبع لسير الحوادث، منذ أن ابتعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، والذي شاءت إرادة الله، أن تكون رسالته الرسالة الخاتمة، وجاءت مكانته ومكانة أمته في قمة التجربة الإنسانية للأنبياء مع أقوامهم. ولعل أبرزها كان مع قصة بني إسرائيل حيث يرى أن المساحة التعبيرية الكبيرة، التي احتلها الكلام، في القرآن الكريم، عن تاريخ يهود، تفوق كل مساحة، عرض القرآن لجرائمهم مع تاريخ النبوة الطويل، وبين صفاتهم وأخلاقياتهم، من مراوغة ونكث للعهود وصناعة للمنافقين الذين عاشوا في جسم المجتمع المسلم، وفتكوا به في فترات الضعف. إنهم يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان للمخادعة، ولا تزال مذاهب الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر صنائع يهود تعمل عملها في المجتمع الإسلامي، بكل أحقادها التاريخية، وصنائعهم من المنافقين لأنهم يشكلون الخطر الحقيقي على هـذه الأمة. لتكون على بينة من أعدائها، وتكون دائمة الحذر غير غافلة عن الذين يتربصون بها الدوائر.

ولقد كان اليهود، في مواجهة تاريخية دائمة مع المسلمين، وكان الإحسان إليهم وحسن الظن بهم لا يزيدهم إلا تآمرا وكيدا، ولم يختلف الأحفاد في ذلك عن الأجداد، فكأن الغدر والمكر والخيانة أصبح جبلة بالنسبة لهم، وأصبح يشكل المناخ الثقافي الذي ينشأ عليه الأحفاد في كل جيل، لذلك كان بيان القرآن في ذلك ينتظم كل جيل وكان الحذر منهم مطلوبا أيضا من كل جيل، [ ص: 156 ] والقرآن مجرد عن حدود الزمان والمكان، وإلا لما كان لذكر صفاتهم وقصتهم - التي أكدت ذلك في القرآن الكريم ومن أكثر من وجه - قيمة وفائدة.

ولقد أدرك اليهود، ولا يعوزهم الإدراك لهذه القضية، أن المسلمين هـم الخصم الحقيقي بالنسبة لهم، خاصة بعد أن تسللوا إلى كل الأديان والمذاهب الفكرية والأحزاب السياسية فأفسدوها ووظفوها لتكون في خدمتهم وعجزوا عن ذلك بالنسبة للقرآن الذي تكفل الله بحفظه.

ولسنا الآن بسبيل أن نتكلم في هـذه العجالة، عن الشواهد الكثيرة، التي بات أمرها معروفا ابتداء من التسلل إلى النصرانية وإفسادها عن طريق بولس الذي انقلب وبقدرة قادر من أشد الناس حماسة وإخلاصا لرسالتها، حتى غدا أحد قديسيها، وأصبح بولس الرسول الذي ينسخ بتعاليمه كل التعاليم السابقة بناء على أمر المسيح، ولعل أثر اليهود في كلا المعسكرين المتحكمين في رقاب العباد الآن واللذين كانت أولى خطواتهما على طريق الوفاق الدولي، الموافقة على قيام إسرائيل والمسابقة إلى الاعتراف بها لا يخفى.

فاليهود هـم الرواد الأوائل للشيوعية التي يعاني الإنسان من ويلاتها، وهم أول من تنكر لها وأعلن انتماءه الديني وطلب الهجرة من بلادها إلى أرض الميعاد. كما أنهم الأساتذة المتربعون على قمة النظام الرأسمالي الربوي الذي يسحق الإنسان ويستغل حاجة المحتاج، وينظر للإنسان على أنه وسيلة إنتاج، ومن أخلاقهم دائما الرهان على حصاني السباق، ليكون لهم النصيب الأوفى من ظهر الحصان الفائز. يتقاسمون الأدوار ويظهرون بالمظاهر المتناقضة لتحقيق أهدافهم، فهم أصحاب مقولة: (الغاية تبرر الوسيلة) الحقيقيون..

ولذلك نقول هـنا بأن معركتهم مع الإسلام والمسلمين دائمة وسبيلهم إلى النصر إنما يكون في إبعاد الأمة عن عقيدتها، وإيجاد البدائل الثقافية في عالم المسلمين، وكلما سقط بديل أو اكتشف استبدل بآخر وهكذا دواليك.

وما استطاع اليهود المرور إلى المجتمعات الإسلامية، إلا في حالات غياب العقيدة أو تغييبها.

ولا نرى أنفسنا بحاجة إلى تكرار القول: بأن مرورهم إلى فلسطين كان بعد إسقاط دولة الخلافة آخر حصون المسلمين، وبعد إغراق المنطقة (الإسلامية) [ ص: 157 ] بالثقافات الغريبة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، ابتداء من بعث القومية الطورانية وما أحدث وأيقظ من النزعات الإقليمية في المنطقة الإسلامية كلها، والتي لا تخرج في حقيقتها عن أدوات في يد يهود علم بذلك دعاتها أو لم يعلموا.

ولا يسع الباحث المنصف إلا أن يبرز حقيقة هـامة: وهي أنه على الرغم من تلك الثقافات الوافدة، التي أغرقت فيها المنطقة والتي أصبح لها كتابها ومروجوها، فقد كانت الحواس الإسلامية، هـي الحواس التي شعرت بالخطر اليهودي أولا، وقدرت خطورته، وتحركت لمواجهته فكانت صيحات النذير الأولى التي أطلقتها الحركة الإسلامية، في أوائل الثلاثينيات، وكانت الثورة التي قادها الشيخ المجاهد عز الدين القسام رحمه الله عام 1936م وما استتبع ذلك من جهاد الحركة الإسلامية على ربا فلسطين عام 1948م، والذي أسدل عليه ستار كثيف من التعتيم الكامل.

التالي السابق


الخدمات العلمية