نظرات في مسيرة العمل الإسلامي

عمر عبيد حسنة

صفحة جزء
مكر يهودي ورؤية توراتية

وكان لا بد من رصد هـذه الظواهر ومحاولة القضاء عليها وكان جزاء سنمار كما هـو معروف.. كل هـذا أكد لليهود من جديد، أن عدوهم الأول والأخير في العالم هـو الإسلام. ويحضرني هـنا ما أشارت إليه صحيفة (بديعوت أحرنوت) من حوالي أربع سنوات بقولها: (ولكن نخشى أن تستغل الجماعات الإسلامية المعروفة بعدائها لإسرائيل هـذه الفرصة لتحريك المشاعر الإسلامية ضدنا، وإذا نجحت في ذلك، وإذا فشلنا في إقناع أصدقائنا بتوجيه ضربة قاضية إليها في الوقت المناسب، فإن على إسرائيل أن تواجه حينذاك عدوا حقيقيا لا وهميا، هـو عدو حرصنا أن يبقى بعيدا عن المعركة، وستجد إسرائيل نفسها في موضع حرج إذا نجح المتعصبون المسلمون في تحويل معركتنا ضد البلاد العربية إلى معركة ضد المجاهدين) .

وفي المقابلة التي أجرتها إذاعة إسرائيل مع البروفسور - رون تادلز - تحت عنوان الإسلام واليهود وإسرائيل - قال:

إن المسلمين لا يمكن أن يقبلوا بسيطرة اليهود على المنطقة!! إلا إذا تعرضوا لعملية إعادة تعليم - غسيل مخ - شاملة تغير عقائدهم الراسخة، وتمحو من [ ص: 158 ] تراثهم وسلوكهم وكتبهم المدرسية وتفكيرهم كل الأفكار المعادية لليهود) ثم أعرب عن يقينه أن حكومة إسرائيل سوف تصر على أن تكون عملية التعليم من البنود الملزمة - سواء أكانت سرية أم علنية - في أية معاهدة سلام توقع مع أية دولة عربية، ويكون التباطؤ في عملية التعليم بمثابة خرق للاتفاقية يخول إسرائيل حق التدخل المباشر لفرضها على الأجهزة الإعلامية والإدارية والتعلم وغيرها.

وقد انتقدت صحيفة بديعوت أحرنوت التليفزيون الإسرائيلي على المقابلة التي أجراها مع (الرائد سعد حداد عميل إسرائيل في الجنوب اللبناني) - بقولها:

إن ذلك التصرف الطائش من قبل وسائل الإعلام وخاصة التليفزيون قد سبب ردود فعل عنيفة بين المسلمين في لبنان، وكل البلاد العربية بحيث حرك فيهم الروح الإسلامية، وهو أمر ظلت إسرائيل وأصدقاؤها تحاول كبته والقضاء عليه، طوال الثلاثين عاما الماضية.. واختتمت الصحيفة انتقادها بالقول:

إننا نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب، ويجب أن يبقى الإسلام بعيدا عن المعركة، ولهذا فيجب علينا أن لا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا في منع يقظة الروح الإسلامية، بأي شكل وبأي أسلوب، ولو اقتضى ذلك الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف في إخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية.

ولقـد بات معـروفا أن الرؤيـة الدينية التوراتية التي تعيش إسرائيل من ورائها في فلسطين (أرض الميعاد بناء هـيكل سليمان - تحرير أرض الرب - تحقيق إرادة الرب) هـي الدافع الذي حمل اليهود من جميع أنحاء العالم بمختلف عقائده وثقافاته، أن يعلنوا انتماءهم لها ويهاجرون إليها وكانت خطوات قادة إسرائيل وزعمائها منذ قيامها إلى اليوم منسجمة ومتناسقة ومنبثقة عن هـذه الرؤية.

ويكفي أن نذكر هـنا مثالا واحدا والشواهد أكثر من أن تحصى:

إن طالب المرحلة الثانوية يتلقى ثلاثمائة وستين حصة تربية دينية توراتية في السنة الدراسية ومثلها في التدريب العسكري، وطالب المرحلة الإعدادية في [ ص: 159 ] حدود مائتين وأربعين حصة، علما بأن هـذه الرؤية الدينية والثقافية الدينية التوراتية التي يحصنون بها الطلاب هـي أقرب إلى الأساطير والخرافات التي تنتسب إلى العصور المتحجرة، مع ذلك لم نسمع بأصوات النشاز التي تقول: إن هـذا يعيق التقدم العلمي التكنولوجي، ولم نلمح أثر هـذه الإعاقة في عالم الواقع عندهم.

ولا نريد هـنا أن نتكلم عن الواقع المأساوي لمادة التربية الإسلامية في مناهج التعليم في بعض البلاد الإسلامية.

وليس أمر اللغة هـنا بأقل خطورة من أمر مادة التربية الإسلامية فهما وجهان لقضية واحدة؛ فاللغة العربية عند بعض أبنائها العاقين عاجزة عن أن تكون لغة العلم والفن والأدب والاختراع والتكنولوجيا وقد تكون في نظرهم سبب تخلفنا العلمي وعجزنا الحضاري، وأن السبيل إلى النهضة مرهون بترك الإسلام والعربية لغة الإسلام..

والأمر الغريب والمستغرب أن العقم اللغوي مقتصر فقط على المجال العلمي والتقدم الحضاري أمـا في فلسفة الهزائم والقدرة على إيجاد مصطلحات وصيغ الاحتجاج فاللغة بحمد الله تملك الخصوبة والمرونة، وهي قادرة على إمداد السياسيين بكل التعابير التي يريدون، وقادرة على الولادة وعدم العقم.. وكلما حصلت نكبة للأمة نجد اللغة قادرة على التعبير عنها، فمصطلح النكبات والنكسات ومصطلح اللاجئين ومن ثم النازحين ومن ثم الوافدين إلى آخر هـذه القائمة - التي لا ندري أن ندرك آخرها أم لا ـ.. موجودة بحمد الله، لقد أمتنا مصطلحات النصر والقوة والاختراع من لغتنا في حياتنا الحاضرة وبدأت الحياة والنمو المسوغات الهزائم والنكبات.

هذا في الوقت الذي يحاول اليهود إحياء لغتهم العبرية.. اللغة المقدسة التي لا يمتلك غيرها من اللغات التقدم إلى مجالات العلم والفن والاختراع والأدب بكل مناحيه، إنهم يفرضون وجودهم على العالم ويفرضون لغتهم على العالم ويحاكمون العالم من خلال رؤاهم الدينية.

ولا زلت أذكر مروري بباريس برفقة أحد الإخوة المختصين بالرياضيات المعاصرة (الرياضيات الحديثة) كيف أنه اشترى كتبا للرياضيات بالعبرية وقال [ ص: 160 ] لي: بأن هـناك مؤسسة يهودية في فرنسا تعمل وتتابع البحث في تحديث الرياضيات وتقدم الدراسات في هـذا الموضوع، وقد تكون دراساتها متقدمة على المؤسسات الأخرى التي ترعاها الدولة في فرنسا ولا بد لاستكمال الموضوع من شراء هـذه السلسلة ومن معرفة المصطلحات باللغة العبرية. فقلت: هـكذا تتقدم العبرية على يد أبنائها وهكذا تنهزم العربية على يد المنتسبين إليها، واللغة كائن حي يقوى بقوة الأمة ويهزم بهزيمتها.

التالي السابق


الخدمات العلمية