صفحة جزء
غياب حركة النقد الواعي والحاجة إليها

إن الثقافة الإسلامية تمر بأزمة قوية تتمثل في غياب حركة النقد الواعية التي تحكم على الأعمال الفكرية والأدبية، مما يوضح الإيجابيات والسلبيات أمام المفكرين فضلا عن جمهور القراء.. إن غياب حركة النقد أدى إلى فوضى فكرية تتمثل في ضياع مقاييس التقويم، وكثرة التكرار في الأشكال والمضامين، وغلبة السطو الأدبي من " الجدد " على " القدامى " ومن " المبتدئين " على " الراسخين " .

واختلطت وسط الركام الضخم من الكتابات التي تملأ المكتبات.. اختلطت الأعمال " المبدعة " الأصيلة بالكتابات الغثة المتهافتة.. وتحكمت المقاييس الكمية، فيقال: فلان كتب عشرين كتابا، والآخر لم يؤلف سوى كتاب واحد، وقد يكون صاحب الكتاب الواحد أجدر بالتكريم والإكبار لما يتميز به ذهنه من خصوبة، وفكره من أصالة وقلمه من إبداع، وليس لصاحب الكتب العشرين نصيب من ذلك.

إن وجود الحركة النقدية كفيل بمسح الأعمال الفكرية والأدبية بشمول، وتقويمها بدقة ليعطى كل ذي حق حقه.. ولتتضح مقاييس التقويم بدقة، وتستبين معالم الطريق نحو النهضة بوضوح.

ولكن كيـف السبيل إلى ذلك؟

إن الإحساس بالحاجة الملحة إلى النقد الواعي سيؤدي إلى احترام [ ص: 129 ] كتابات النقاد، ووضع النقاد في المكان اللائق بهم، وتكريمهم اجتماعيا، ودعمهم ماديا مع الإعلان عن هـذا الاعتزاز... والنقد ملكة وفن وخلق، فلا بد من وجود الاستعداد، الكافي إلى جانب التشبع بالدراسات النقدية، وبالمقاييس التقويمية، وذلك للقدرة على تذوق العمل الأدبي والفكري ثم الحكم عليه بإنصاف واعتدال دون إفراط أو تفريط، ودون التأثير بالعلاقات الاجتماعية والمجاملات الشخصية منها والعامة، مثل: مجاملة الرأي العام والتجاوب مع اتجاهاته.

إن النقد في مجتمعنا يحتاج إلى النقاد الذي يجمعون بين القدرة الفنية وقوة الشخصية للتمكن من تخطي الظروف الصعبة التي تلوي الأعناق بالترغيب مرة والترهيب أخرى لعدم الجهر بالرأي الحر، والحكم المجرد، والتقويم الدقيق... وخاصة ونحن في بداية الطريق.

التالي السابق


الخدمات العلمية