مشكلات الشباب (الحلول المطروحة .. والحل الإسلامي)

الدكتور / عباس محجوب

صفحة جزء
أولا - التناقض بين القيم والمجتمع

فبينما يتعلم الشباب في وسائل التعليم والتوجيه بدءا بالبيت فالمدرسة ثم المجتمع كثيرا من القيم المتصلة بالحياة والموجهة للسلوك، فإن التناقض بينها وبين الممارسات الحقيقية في المجتمع يمثل مشكلة تؤدي إلى زعزعة الثقة في النظام العائلي والاجتماعي، فالطالب الشاب يتلقى موروثا ضخما من التعاليم الدينية والقيم الحياتية، ثم يجد ما ينافي ذلك في البيت أولا، ثم المدرسة نفسها، ثم المجتمع، وهذا التناقض هـو الذي يقول عنه الشيخ أبو الحسن الندوي : " من أعظم أسباب الحيرة التي يعانيها الشباب المسلم اليوم، هـو التناقض في المجتمع الذي يعيش فيه، تناقض بين ما ورثوه وبين ما يعيشونه، وبين ما يلقنونه تلقينا وبين ما يطلبه علماء الدين؛ هـذا التناقض العجيب الذي سلط عليهم ومنوا به هـو السر في هـذه الحيرة المردية.. هـناك عقائد آمن بها كمسلم ولد في بيت إسلامي في أسرة إسلامية، ونشأ على كثير من العقائد وتلقاها بوعي أو بغير وعي، ثم إنه نشأ في بيئة دينية تؤمن بمبادئ الإسلام، وقرأ التاريخ الإسلامي - إذا أكرمه الله بذلك وتسنت له هـذه الفرصة الكريمة - وكان سعيدا بوجوده في بيئة واعية دينية، ثم سيق إلى دور ثقافة يسمع فيها من أولئك الأساتذة الذين يجلهم كل ما ينقض ما أبرمته البيئة، وكل ما غرسته في قلبه وعقله من التربية الإسلامية، أو يقلل قيمته على الأقل، فيقع في تناقض عجيب، وصراع فكري عنيف، وفي [ ص: 30 ] ارتباك نفسي. " >[1] .

وهذا التناقض بين القول والفعل هـو الذي ذمه الله سبحانه وتعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) [الصف:2-3 ].

وهو الذي وضع القرآن له مصطلح " النفاق " ، وللأسف فإن هـذا التناقض يعم مجالات الحياة كلها، ويستباح في مجال السياسة والعلاقات العامة، ويغلف المظاهر الاجتماعية، والممارسات الرسمية والشعبية. وأكثر التناقضات أثرا في نفوس الشباب وتدميرا لها: تناقض الأقوال والأفعال عندما تكون صادرة من الآباء والمربين والقادة والموجهين، فالأب يطالب أبناءه بالصدق والأمانة، ثم يطلب منهم أن يكذبوا في الهاتف، أو عندما يدق جرس الباب إذا جاءه من لا يود لقاءه، والكثير يتحدثون عن الوطنية والتنمية والتقدم وهم يتهربون من واجبات وظائفهم، ودفع الضرائب المستحقة، ويهملون في الملكيات العامة، بل ويخربون بأفعالهم اقتصادهم، ويبددون ثرواتهم، ويعطلون التنمية والتقدم في أوطانهم، والطلاب يشاهدون التناقض في معلميهم الذين يهتمون إذا روقبوا، ويخونون الأمانة إن غابت عنهم رقابة البشر، ثم إن المدارس نفسها تعمق هـذا التناقض حين تقام المعارض وتقدم الصور الجميلة على أنها من أعمال الطلاب، بل إن أعمال النشاط -وحتى الواجبات - يقوم بها أحيانا الآباء والأمهات نيابة عن أبنائهم المثقلين بالواجبات، فتقبل المدارس ذلك مع علمها بكل شيء، حتى عمليات الغش في الاختبارات تكريس لهذا التناقض الذي يلبس أثوابا متعددة وينخر في حياة الأمم ويثبتها حيث بدأت. [ ص: 31 ] ومن مظاهر التناقض الذي يقلق الشباب ما يرى من خلاف فكري أو فقهي بين جماعات مختلفة تنتسب إلى الإسلام، وتخرج بخلافاتها من إطار الحوار بالحجة والمجادلة بالحسنى إلى أجواء الخصومة والاتهام، والعصبية وضيق الأفق، والضلال والتكفير، وينسى هـؤلاء ما كان عليه علماء هـذه الأمة من حوار ومجادلة تتسع لها الصدور، ويحفظ اللاحق للسابق قدره ومكانته، وما كان من التزام بآداب الحوار، وأصول المناقشة، وسعة الأفق، والبعد عن الاتهام والتجريح في سبيل الوصول إلى هـدف واحد، وهو الحقيقة.

ومن مظاهره ما يتمثل بالتناقض في اتجاهات المجتمعات بين من يتمسكون بالإسلام، ويرون في العودة بالمجتمع إلى الصورة القديمة إنقاذا من الهلاك دون النظر إلى معطيات الحياة وتغييرات المجتمع، وبين من يحاربون كل دعوة للارتباط بالماضي بتراثه ودينه، وإحلال التقدم العلمي مكان ذلك؛ ظنا بأن هـذا التقدم قادر على إزالة هـذا التناقض، وقادر على ملء الفراغ الذي يظنون إمكانية ملئه دون الغيبيات والروحانيات، وقد يكون إعجاب هـؤلاء بالحضارة الغربية، ونمط الحياة فيها، وأساليبها، مساويا لرفض أولئك لكل ما وصل إلى المسلمين من خارج مجتمعاتهم.

وقد ترتب على هـذا التناقض تناقض آخر يتمثل في تمزق الولاء أو تعدده، فبينما ينظر أصحاب الاتجاه الأول إلى جعل الولاء للإسلام في الصورة التي فهموا بها الإسلام، وفسروا بها النصوص، واستنبطوا الأفكار، يتأرجح أصحاب الاتجاه الثاني بين ولائهم للإسلام الذي نشئوا في ظله وآمنوا به، وإيمانهم المطلق بالتقدم العلمي ومعطيات الحضارة المادية وبعض القيم التي سادت وعمت فيها وانتقلت إلى ديار [ ص: 32 ] المسلمين.

وليست هـذه كل الاتجاهات، فهناك اتجاهات متعددة تتفاوت فيما بينها، وتتأرجح بين التطرف والاعتدال، وبين الفهم الصحيح للإسلام، والمفهومات المغلوطة، وكلها تمثل في النهاية هـموم جيل الشباب الباحث عن الحق والمتطلع إلى حياة فكرية عقيدية خالية من التناقضات، لأن هـذه التناقضات عملت على توزيع الجهود، وبعثرة الطاقات، كما عطلت المسيرة، وأخرت حركة الدعوة، ومزقت العقول والنفوس.

ولإزالة التناقض في حياة الأمة فلا بد من عمل جماعي لإزالته، ولن يتم ذلك إلا بحركة إصلاح شاملة، ونهضة ثقافية تقوم بها الدول لإزالة أسباب هـذا التناقض، وربط الحياة بقيم الدين، والأخلاق، وأعراف الناس الحسنة،وأن تعمل أجهزة التوجيه كلها من التربية والتعليم إلى الإعلام - صحافة وإذاعة وتلفازا - لتصحيح المفهومات المغلوطة في الفكر والثقافة، وغرس الفضائل والمثل،وكشف السلبيات والانحرافات السلوكية والفكرية والعقيدية، وأن يوجه الشباب وفق برامج تثقيفية وعسكرية ورياضية، مع إزالة الفجوة بينهم والكهول، ثم جعل المكتبات حياة للشباب، وتيسير حصولهم على الكتاب والمعلومة النافعة، واستثارة مواهب الابتكار والإبداع فيهم، وتصحيح المفهومات في موازين الأعمال والأشخاص والجماعات، وبمعنى آخر: لا بد من ثورة فكرية تشمل الحياة كلها بمناشطها، ومرافقها، وقوانينها، وأنظمتها، وأساليب حياتها، وتربيتها، وما إلى ذلك؛ حتى تبنى الحياة على أسس جديدة لا تتناقض مع توجهات الأمة، أو عقيدتها، أو مثلها وقيمها، عند ذلك يمكن للحياة أن تستقيم على منهج الله ونظامه، وعلى [ ص: 33 ] العدالة والمساواة والتضامن والتضحية في سبيل الله والمثل العليا في الحياة، من حماية للأوطان، ودفاع عن الأرض، وعن العقيدة في بقاع الأرض كلها وليس في رقعة من الأرض. إن ممارسة الفضائل في الحياة، وجعل القيم والمثل ميزانا لمعايير السلوك والخلاق من الأمور الهامة في إزالة التناقض، كما أن التزام وسائل التوجيه في البيت والمدرسة والمجتمع ووسائل الإعلام بالربط بين الأقوال والأفعال، والحقائق والواقع، أمر مهم في إزالة التناقض. إن أجواء الحرية في الرأي والفكر، والحرية في الإرادة والاختيار، والحرية في الرفض والقبول، والحرية في مواجهة الأخطاء والتصدي لها، والانحرافات ومعاقبتها؛ من الأمور الهامة في إزالة التناقض والإحساس بالحق في الحرية العامة.

التالي السابق


الخدمات العلمية