مشكلات الشباب (الحلول المطروحة .. والحل الإسلامي)

الدكتور / عباس محجوب

صفحة جزء
بعض الحلول المطروحة [ ص: 73 ]

1- الاختلاط لحل مشكلة الجنس

>[1]

ينادي بعض الباحثين بتيسير الاختلاط بين الشباب من الجنسين، وقيام التعاون بينهم على أساس من الأهداف العليا المشتركة، ويعجب المرء أن تصدر مثل هـذه الآراء من أناس وصلوا إلى المستويات القيادية في إدارة الجامعات العربية، وهذا الرأي يحرم على الأمة العربية المسلمة حقها في أن تقيم نظام حياتها وتربية أجيالها وفق مبادئها وفلسفتها في الحياة، وعقيدتها التي تنطلق منها في ذلك كله، فكل أمة لها ما يميزها؛ نظاما وشريعة، ودينا وعقيدة، الأمر الذي يجعل كل حل يفرض عليها أو مشكلة تلصق بها أمرا مرفوضا حقا وواقعا، وعدلا وتمدنا.

فـ " الأيديولوجيات " التي تأخذ بها الشعوب هـي التي تحدد ملامح نظامها، ومقومات شخصيتها، وتجعلها مدافعة عن نظمها وتقاليدها وتعاليمها، ونحن نكتسب هـذا الحق كغيرنا في بناء مجتمعنا من خلال عقيدتنا ونظرتها للحياة والكون والإنسان، على أسس ومبادئ تتمثل بالحرية في مفهومها الواسع، والشورى بنظامها الفريد، وعلى أساس الحقوق الإنسانية المشروعة في المحافظة على قوانين الحياة المتمثلة بالمحافظة على النفس، واستمرار النوع، والرقي العقلي والعلمي والروحي.

والذين درسوا في الجامعات المختلطة يعرفون كيف تقوم العلاقات [ ص: 74 ] بين الجنسين، والتي لم ترتفع عن كونها علاقة بين جنسين ينجذب كل منهما للآخر عاطفيا وجنسيا، ومهما سمت هـذه العلاقة فإنها لا تخرج عن ذلك، ولأن الكثيرين لا يقتنعون إلا إذا شهد بمساوئ الاختلاط من عانوا ذلك من مفكري الشرق والغرب، فإن الاستشهاد بما قالوه أمر لا بد منه.

ذكرت مجلة أمريكية الأسباب التي أدت إلى شيوع الفاحشة فقالت: (عوامل شيطانية ثلاثة، يحيط ثالوثها بدنيانا اليوم، وهي جميعها تنصب وتكد في تسعير سعير لأهل الأرض:

أولا: الأدب الفاحش الخليع الذي لا يفتأ يزداد في وقاحته ورواجه بعد الحرب العالمية بسرعة عجيبة.

ثانيا: الأفلام السينمائية التي لا تذكي في الناس عواطف الحب الشهواني فحسب، بل تلقنهم دروسا عملية في بابه.

ثالثا: انحطاط المستوى الخلقي في عامة النساء؛ الذي يظهر في ملابسهن، بل في عريهن، وفي إكثارهن من التدخين واختلاطهن بالرجال بلا قيد ولا التزام، هـذه المفاسد الثلاثة فينا متجهة إلى الزيادة والانتشار بتوالي الأيام، ولا بد أن يكون مآلها زوال الحضارة والاجتماع النصرانيين!! وفناءهما آخر الأمر، فإن نحن لم نحد من طغيانها فلا جرم أن يأتي تاريخنا مشابها لتاريخ الرومان ومن تبعهم من سائر الأمم؛ التي أوردها هـذا الاتباع للأهواء والشهوات موارد الهلكة والفناء؛ لما كانا فيه من خمور ونساء ومشاغل رقص وغناء ) >[2] . [ ص: 75 ] ويقول " جورج رائيلي اسكات " في كتابه " تاريخ الفحشاء " : " والسبب الخطير الذي قد عمت لأجله الفوضى الجنسية في المجتمع أن النساء لا يزلن يتهافتن على الأشغال التجارية ووظائف المكاتب والحرف المختلفة، حيث تسنح لهن فرص الاختلاط بالرجال صباح مساء، وقد حط ذلك من المستوى الخلقي في الرجال والنساء، وقلل جدا من قوة المدافعة في النساء لاعتداءات الرجال على عفتهن، ثم أطلق العلاقة الشهوية بين الجنسين من كل القيود الخلقية، فالآن أصبحت الفتيات لا يخطر ببالهن الزواج أو الحياة العفيفة الكريمة حتى صار اللهو والمجون - الذي كان يطلبه في الزمان الغابر أوغاد الناس - تطلبه كل فتاة اليوم، وأمست البكارة والعفة شيئا من آثار الماضي " >[3] .

إن الاختلاط لا يؤدي إلا لإثارة الشهوة، وإغراء الجنسين بالفاحشة، والتحلل تدريجيا من قيود الحياء والعفة، وقد لفت نظري في مدينة " إدنبرة " في " اسكتلندا " إعلان معلق في محطة الباصات يذكر خبر حمل سبعة آلاف فتاة، ويحذر من الأخطار الناجمة عن عدم استعمال موانع الحمل المختلفة، وأن على الفتيات اليقظة في ممارسة الجنس!!، والحذر من أن يؤدي إلى الحمل، أما العلاقة نفسها فليست محل نقاش؛ لأنها من الحقوق الشخصية التي لا تقبل النقاش، ولا تستطيع سلطة في ذلك المجتمع أن تحد أو تقلل منها.

ولم تقف دعوة بعض الكتاب والمفكرين من خلال أعمالهم الأدبية والفكرية عند الدعوة إلى الاختلاط الذي أصبح يكرس في كل بلد عن طريق المسلسلات التليفزيونية وأفلام السينما وغيرها، وعن طريق أجهزة الإعلام، والمؤتمرات، واللقاءات العلمية والأدبية - وإنما تعدى [ ص: 76 ] الأمر إلى حد دعوة بعضهم إلى أن يمارس الشباب من الجنسين تجربة الجنس وممارسته قبل الزواج، وقد سبق لأحد الأدباء البارزين في إحدى البلاد العربية - وقد وصل إلى أن يكون عضوا في لجنة الرئاسة، وكان طبيبا نفسيا عالميا - أن ألقى محاضرة بعنوان: " الدعارة ضرورة اجتماعية " دعا فيها الشباب إلى أن يمارس الجنس مع العاهرات، لأن ذلك ضرورة اجتماعية لا بد منها (!! ) .

2- نشر الثقافة الجنسية

ويرى بعضهم أن من الحلول نشر الثقافة الجنسية في المدارس الثانوية بطريقة علمية وموضوعية، ومع ذلك فلم يقدم المنادون بهذا الرأي كيف تكون الطريقة العلمية والموضوعية؟.

كما يطالبون الآباء والأمهات ووسائل الإعلام الأخرى بالمساهمة في نشر هـذه الثقافة.

والمعروف أن الجنس لا يدرس بصورة منفصلة فيما أعلم بأي من الدول الأجنبية، ولم يقل بذلك أحد، ولكنه يدرس من خلال علم الأحياء، وفي الدروس العامة لعمليات التناسل والتكاثر، ونحن يمكننا أن نتطرق لذلك في حصص العلوم المتعلقة بالمسألة، غير أن الإسلام في معالجته لقضايا العبادات والأحكام الشرعية تعرض لهذه المسائل بتفصيل كثير سواء في القرآن أو السنة؛ حيث يقرر أن الجنس غريزة من غرائز الإنسان الطبيعية التي توجه مثل الغرائز الأخرى فيما يثري الحياة ويعمرها، وأن هـذه الغريزة لا بد أن تمارس وفق المعايير التي تحقق للإنسان آدميته، وللمجتمع تماسكه وقوته، وللجنسين كرامتهما، فنظم [ ص: 77 ] بذلك الزواج ودعا إليه،وحرم الزنا وما يؤدي إليه، لأن الزنا عمل مقوض للحياة والمجتمع والفرد مثل الجرائم الأخرى، كما حرم أنواع الشذوذ المختلفة؛ لأنها تحط من آدمية الإنسان وتجعله أقل من الحيوان.

كما بين الإسلام آداب الممارسة الجنسية، بل ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك: ( لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله، قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهم ولد في ذلك اليوم لم يضره الشيطان أبدا ) [متفق عليه من رواية ابن عباس رضي الله عنهما ].

وليس هـنا مجال ذكر آداب الإسلام وتوجيهاته في مجال العلاقات الجنسية، ولكننا يجب أن ننظر إلى تنظيم الإسلام لتلك الغريزة كما ننظر إلى تنظيم الإنسان لجميع الغرائز المركبة فيه.

إن الثقافة الدينية الشاملة تتضمن الثقافة الجنسية، والمطلوب أن يكون المجتمع خاليا من مثيرات الجنس، ومهيجات الشهوة، ودوافع الإغراء والفتنة، من التبرج والعري باسم التمدن، والاختلاط والتزاحم باسم الحرية، ثم نشر الأفلام الماجنة والأغاني المائعة والمجلات الحاملة للسموم، والإعلانات التي تستجدي بجسد المرأة ومفاتنها الزبائن، والمحلات والمكاتب التجارية التي تصطاد العملاء بالخليعات والسافرات ممن يمتهن كرامة المرأة، ويجعلنها سلعة في يد السفهاء، فالستر واللباس للجنسين مظهر حضاري، وتكرمة إنسانية، وارتفاع بقيمة الأفراد.

( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ) [الأعراف:26 ]. [ ص: 78 ] إن مرحلة المراهقة ليست مرحلة للجنس فقط، بل مرحلة للتكاليف والمسئوليات، ومرحلة لظهور العواطف الدينية، ومرحلة للنمو الجسدي والعقلي، فإذا تعهدت التربية هـذه الطاقات كلها بالتوجيه والرعاية ضمن برنامج يوجه عاطفة التدين، ويوجه حاجات العقل في العلم والمعرفة، ويوجه طاقات الجسد بالتربية الرياضية، كان في ذلك كله تغطية للفراغ الذي يمكن أن يحس به الشباب، كما أن التربية على معاني العفة والطهارة والنقاء والسمو الروحي مما يجنب الشباب كثيرا من المزالق والمحاذير، ولأن الفواحش هـي التي تدمر التمدن، وتشيع الفوضى الأخلاقية، يقول المودودي في علاج ذلك:

(إن الفعل الذي يتحقق ضرورة بالتمدن، لا يكفي في منعه وسد بابه أن يعد جريمة في القانون، ويقرر له حد أو عقوبة؛ بل يجب أن تتخذ لذلك معه أربعة تدابير أخرى:

أولا: تهذب عقلية الأفراد بالتربية والتعليم، ويصلح من نفوسهم إصلاحا يعودون معه ينكرون ذلك الفعل بأنفسهم فيعدونه إثما، ويكفهم شعورهم الخلقي نفسه عن ارتكابه.

ثانيا: يؤلب الرأي العام والأخلاق الجماعية على عداء ذلك الإثم أو الجريمة؛ إلى حد أن يصبح عامة الناس يعتبرونه عارا ومخزاة، وينظرون إلى مرتكبه بعيني المقت والزراية؛ وذلك لكي تمنع قوة الرأي العام كل من نقصت تربيته أو ضعف فيه الوجدان الخلقي من ارتكاب ذلك الإثم.

ثالثا: يحسم في نظام التمدن جميع الأسباب التي تحرض الأفراد على تلك الجريمة وترغبهم فيها، وأيضا يقضى فيه - بقدر الإمكان - على الأسباب التي تضطرهم إليها. [ ص: 79 ] رابعا: يقام في سبيل هـذه الجريمة من الموانع والعقبات في الحياة التمدنية، ما لا يتيسر معه للمرء ارتكابها وإن تعمد وسعي فيه ) >[4]

3- ملء الفراغ بالرياضة

هذا حل مقبول مما هـو مطروح، ولكن الرياضة لا تستقطب وقت الشباب لأسباب كثيرة، منها: محدودية مجالاتها، واهتمام القلة من الشباب بها، ثم لغلبة نوع من الرياضة على الأنواع الأخرى، هـذا بالإضافة إلى أن التربية الرياضية لا بد أن تأخذ الطابع العام حتى تحقق أهدافها؛ بمعنى أن تكون الرياضة جزءا من برنامج عام يوجه الشباب في الأمة كلها في المدارس والجامعات والأندية والمصالح إلى أنواع من التدريب الرياضي والتربية العقلية؛ بإقامة نشاط ثقافي مفيد شامل لا يتوقف على النواحي الحفلية والمحاضرات، بل يشمل برنامجا مكثفا للمسابقات، والمحاضرات، والمناظرات، والندوات والمكتبة، والمناقشات المرتبطة بحياتهم وبقضايا مجتمعهم، ثم النشاط الذي يبرز المواهب في مجالات الابتكار، والاختراع، والإبداع، المختلفة، وأن يكون هـناك تنظيم إلزامي يربط النشاطات بأنشطة التعليم والثقافة، وأن تكون الأندية الثقافية والرياضية مجمعات للشباب توجيهية وتثقيفية وتدريبية، وأن يكون ذلك كله محكوما بسياج من القيم والمثل الأخلاق، ومحاربة الفساد والانحلال والتفسخ والبطالة الرياضية المقنعة. [ ص: 80 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية