التنمية الاقتصادية في المنهج الإسلامي

عبد الحق الشكيري

صفحة جزء
الفصل السابع: ضرورة التنسيق في خطط التنمية على المستويين العربي والإسلامي

يتميز العصر الذي نعيش فيه بأنه عصر التكتلات الاقتصادية التي أصبحت الطابع المميز للاقتصاد الدولي في عصرنا، وتهدف هـذه التكتلات إلى توحيد السياسات والمواقف الاقتصادية للدول الأعضاء تدريجيا، وتنمية النشاط الاقتصادي، في إطار من التعاون والتكامل والتنسيق من أجل رفع المستوى العام للمعيشة وزيادة درجة التواصل بين الدول الأعضاء.

وإذا نظرنا إلى خريطة العالم الإسلامي نجده يمثل كتلة واحدة متصلة، تمتد بين المحيط الأطلسي غربا إلى باكستان شرقا، ومن تركيا شمالا إلى تنزانيا جنوبا، وهي دول غنية بالموارد الطبيعية والثروات البشرية.

وتتوفر بالعالم الإسلامي كل مقومات الوحدة، فهناك وحدة العقيدة والدين ووحدة اللغة، ووحدة المصير، ووحدة الظروف التاريخية والحضارية، وتقارب الأماني والآمال مما لا يتوفر لأية مجموعة أخرى من الدول. [ ص: 151 ]

ولا شك أن هـذه الإمكانات تفرض على شعوب هـذه الأمة وقادتها توثيق أواصر التعاون الاقتصادي فيما بينهم، من أجل تجميع القوى الاقتصادية وتوجيهها الوجهة السليمة، القائمة على تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي، ورفع المعاناة عن جماهير الأمة الإسلامية.

فإذا أخذنا دول العالم العربي والإسلامي كلا على حدة نجدها تفتقد منفردة لبعض مقومات التنمية ، في حين تتوافر لها هـذه المقومات وهي مجتمعة في وطن عربي أو إسلامي كبير، فما ينقص إحداها من موارد طبيعية، أو رأس مال، أو قوى عاملة أو خبرات فنية يتوافر بكفاية لدى بعضها الآخر.

ولعل في ذلك حكمة كبرى من الله تعالى، لتسعى الدول والشعوب نحو تحقيق التعاون والتكامل فيما بينها، بدل الاختلاف والصراع، وكما لا يوجد إنسان يستطيع أن يستغني عن معاونة الآخرين في سد احتياجاته وتكامله معهم، فإن الأمر كذلك بالنسبة للدول، إذ لا يمكن لإحداها الاستغناء عن الدول الأخرى وتبادل المنافع والتكامل فيما بينها، ويأتي شقاء الفرد وشقاء الدول، والأزمات كافة من افتقاد هـذا التعاون والتكامل.

فعلى المستوى العربي - على سبيل المثال - نجد أن مصر تملك من مقومات التنمية القوى البشرية، والسودان والصومال تملك الموارد الطبيعية، ودول الخليج تملك رءوس الأموال الفائضة، وهذه الوفرة [ ص: 152 ] لدى بعض الدول، والندرة لدى بعضها الآخر، هـي سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا، والتي تؤدي إلى تحقيق التعاون والتكامل فيما بينها، ليسبغ الله عليها نعمه، وإلا حقت عليها النقمة، وظلت تدور في حلقة التخلف والضياع المفرغة، لا يخرجها منها سوى ما أراده الله لها من التعاون والتكامل، وكذلك الأمر بالنسبة للعالم الإسلامي والعالم أجمع.

لذلك يتطلب الأمر عند وضع خطط التنمية التنسيق بين إمكانات كل بلد عربي أو إسلامي، بحيث يكمل كل منها الآخر، وهو الأمر الذي يحقق أكبر استفادة من إمكانات كل دولة عربية أو إسلامية، دون فاقد أو ضائع، وهو في المحصلة النهائية يدفع بعجلة التنمية في الوطن العربي والإسلامي، كما أنه يؤدي في النهاية إلى الوحدة والتضامن العربي الإسلامي والتعاون العالمي. فليس هـناك أي تناقض بين الوحدة العربية والتضامن الإسلامي، وبين التعاون العالمي، بل كل خطوة ضرورية لتحقيق الأخرى، ذلك طالما كان هـناك تنسيق دقيق للتعاون والتكامل، لا للتصارع والتناقض، وحينئذ يتحقق للعالم أمله المنشود في الحياة المثلى، والذي لخصه القرآن الكريم في اصطلاحي التعاون والعزة بقوله تعالى: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) [المائدة:2]، وقوله تعالى: ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) [المنافقون:8]. [ ص: 153 ]

وما أحوجنا اليوم إلى إحصاءات دقيقة ودراسات علمية في هـذا المجال، وإلى المبادرة بوضع خطط تنمية واضحة المعالم والقسمات، تحدد فيها ما تلتزم بتحقيقه كل دولة عربية أو إسلامية، بحيث يتم التعاون والتكامل بينها لا الفرقة والتضارب.

ولعل الخطوة العملية لذلك هـي عقد مؤتمر قمة اقتصادي عربي وآخر إسلامي، يتصديان لمناقشة برامج التنمية على أساس إسلامي ورؤية واقعية لمواطن الضعف والقوة، من أجل البناء المشترك والتكامل للوطن العربي ككل والوطن الإسلامي عامة.

ولقد سبق أن أعدت الأمانة العامة لمجلس الوحدة الاقتصادية بجامعة الدول العربية، وكذا الأمانة العامة لمؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية دراسات مفصلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والتكامل في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وذلك بدءا من تنظيم التبادل الاقتصادي العربي والإسلامي، وتعاون الأجهزة والمنظمات الاقتصادية المتخصصة العربية والإسلامية، إلى إنشاء بنوك وصناديق مالية عربية وأخرى إسلامية، لتمويل المشروعات العربية والإسلامية التي ثبتت جدواها الاقتصادية، إلى مباشرة بعض هـذه المشروعات على المستويين العربي والإسلامي.

ولكن حتى الآن لا تزال جهود التنمية الاقتصادية على هـذين المستويين العربي والإسلامي محدودة وقاصرة، ولا تزال " استراتيجية " هـذه التنمية غامضة وغير منسقة؛ إذ لا يكفي مجرد إلغاء الجمارك، أو فتح [ ص: 154 ] الحدود. أو إقرار مختلف التسهيلات، وإنما يتعين أساسا التنسيق للاستفادة من عوامل الإنتاج المتوافرة على المستوى العربي والإسلامي.

لقد أبرزت حرب رمضان 1973م أن بإمكان العالم العربي أن يمثل قوة عالمية تستطيع أن تفرض إرادتها على القوى العالمية الأخرى بحكم ثرواته الطبيعية وواقعه الجغرافي، إلا أن العرب والمسلمين لم يستفيدوا من هـذه الفرصة التي تكاد اليوم أن تضيع.

وإنه من أكبر الحرام أن تظل فوائض الأموال العربية الضخمة ببنوك أوروبا وأمريكا ، يأكلها التضخم وتدهور الدولار، بينما في السودان والصومال ملايين الهكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة، ولا تزرع، في حين أنها لا تحتاج إلا لنحو عشر مليارات دولار سنويا لمدة عشر سنوات لاستثمارها، بحيث تصبح سلة الغذاء ليس للأمة العربية وحدها، وإنما للعالم أجمع.

إن التنسيق في خطط التنمية الاقتصادية على المستويين العربي والإسلامي، هـو المخرج الوحيد لمواجهة التخلف الذي نعاني منه، وهو السبيل إلى حل الكثير من مشكلات العالم الإسلامي، ذلك أن ما تفتقده إحدى الدول من عناصر القوة والتنمية يتوافر لدى الدول الأخرى؛ وأكثر من ذلك فإن هـذا التنسيق، وما يصاحبه من تكامل اقتصادي، هـو الحل لتحقيق الوحدة العربية والتضامن الإسلامي المنشودين. والله من وراء القصد. [ ص: 155 ]

السابق


الخدمات العلمية