قضية التخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي المعاصر

الدكتور / زغلول راغب النجار

صفحة جزء
الفصل الرابع

التقدم العلمي والتقني وعملية التنمية

ارتبط ازدهار الحضارات الإنسانية دوما بنمو القدرة الإنتاجية للإنسان في مختلف جوانبها: المادة (المتمثلة بوسائل ومعدات الإنتاج) ، والاجتماعية (المتمثلة بمختلف العلاقات الإنتاجية) ، والفكرية (المتمثلة بالقدرات الإبداعية للعقل البشري) .

والحضارة المعاصرة خير دليل على ذلك، إذ تضاعفت القدرة الإنتاجية للإنسان أضعافا كثيرة بحسن توظيف العلوم والتقنية في قضية التنمية.

ويشكل التقدم العلمي والتقني في هـذا العصر أهم العوامل المسئولة عن النمو الاقتصادي والاجتماعي والعسكري (بمفاهيمها المادية على الأقل) ، إذ يمثل مردوده نسبة كبيرة من الزيادة في معدل النمو الاقتصادي، وفي متوسط دخل الفرد يتراوح بين 50% في اليابان ، و90% في الولايات المتحدة الأمريكية ، التي تعتبر اليوم من أكثر دول العالم تقدما في مجال العلوم والتقنية، وفي توظيفهما في خدمة قضية التنمية، إن لم تكن أكثرها على الإطلاق. وعلى الرغم من مكانتها المرموقة في مقدمة الدول التي أخذت بأسلوب التقدم العلمي والتقني، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن لها في مطلع هـذا القرن سياسة مرسومة لذلك، بل اعتمدت في نهضتها العلمية والتقنية على [ ص: 75 ]

الاستجابة لما يستجد من أمور، إلا أن ظهور عدد من التحديات في فترات محددة قد استدعى وجود سياسيات علمية/تقنية مؤقتة لمواجهة تلك التحديات، فقد كان لاشتراك الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية حافز لتكثيف جهود العلماء والتقنيين في النواحي العسكرية ووضعها في خدمة أهداف الحرب، وكان من أخطر النتائج المتمخضة عن ذلك تصنيع القنبلة الذرية واستخدامها ضد اليابان .

ثم كان في تفجير الاتحاد السوفييتي لقنبلته الهيدروجينية، وتتابع التفجيرات عند العملاقين المتصارعين، ثم في اندلاع الحرب الكورية دافعا لتركيز الإنفاق على البحوث والتقنيات العسكرية، وما يتعلق بها، فأعطيت التطبيقات الخاصة بالنمو الاقتصادي والاجتماعي المركز الثاني.

وبعد ذلك بقليل جاء إطلاق الاتحاد السوفييتي للقمر الصناعي "سبوتنيك" في سنة 1957م مفاجأة مزعجة للولايات المتحدة الأمريكية، التي ردت عليها بإنشاء وكالة الفضاء الأمريكية، وتحديد هـدف لها يتمثل في إنزال إنسان على سطح القمر بنهاية الستينيات، وقد تحقق ذلك فعلا في سنة 1969م.

في مطلع السبعينيات بدأت مجموعات ضغط عديدة تظهر في المجتمع الأمريكي حاملة راية العداء للتطور التقني المتسارع في الولايات المتحدة، انطلاقا من المعاناة أثناء حرب فييتنام ، وتحسبا لخروج التقنية الحديثة عن نطاق السيطرة، وتخوفا من ازدياد تلوث البيئة، وقد أدى ذلك إلى خفض نفقات الدفاع إلى 9.9 بليون دولار في سنة 1976م، مما أدى إلى ازدياد نفقات البحث والتطوير في قضايا التنمية الاجتماعية بمعدلات أكبر مما كانت عليه، وذلك لمواجهة مشكلة الطاقة، والبحث عن مصادر بديلة للفحم والنفط والغازات الطبيعية على وجه الخصوص.

ثم جاءت مشكلة الصواريخ العابرة للقارات والحاملة للرءوس النووية، [ ص: 76 ] ولغيرها من الأسلحة الكيميائية والجرثومية والتقليدية الفتاكة، وكان التفكير في مواجهتها بمشروع حرب النجوم، الذي يعتمد على إعادة توجيه هـذه الصواريخ أو تفجيرها في الجو باستخدام تقنيات معقدة للغاية تعتمد في عملها أساسا على أشعة الليزر.

ويعتبر ما يصرف في الولايات المتحدة الأمريكية على تطوير البحوث العلمية والتقنية وتوظيفها من أجل التنمية (خاصة تنمية القدرة العسكرية) من أكبر المبالغ التي تصرف في العالم، فقد بلغ ذلك عام 1976م أكثر من عشرين بليون دولار، وذلك من أجل المحافظة على تفوقها العسكري والاقتصادي.

أما اليابان فتمثل نموذجا حيا لأثر التقدم العلمي والتقني على النمو الاقتصادي، وتجربة فريدة للنجاح في الحصول على التقنية، واستيعابها، وتوطينها، وإبداع تقنيات محلية في معظم القطاعات الاقتصادية بشكل تدريجي ومدروس.

ففي خلال الحرب العالمية الثانية تم تدمير الصناعة اليابانية تدميرا كاملا، وكان ضرب مدينتي هـيروشيما ونجازاكي بالقنابل الذرية صدمة أيقظت اليابانيين على خطورة الفجوة التي تفصلهم عن العالم الغربي في مجال العلوم والتقنية، خاصة وقد بلغ عدد الضحايا في هـاتين المدينتين المنكوبتين أكثر من ثلاثمائة ألف قتيل، وأضعاف هـذا العدد من الجرحى والمعوقين والمشوهين، بالإضافة إلى التدمير الكامل للمدينتين، وتلويث الهواء والماء والتربة والنباتات والحيوانات بالإشعاع، مما أدى إلى انتشار العديد من الأمراض المستعصية والمستحدثة، وتشويه الكثير من الأجنة حتى يومنا هـذا وبعد أكثر من أربعين عاما على إسقاط هـاتين القنبلتين الذريتين؛ على ضآلتهما.

شعر اليابانيون بخطورة الفجوة العلمية والتقنية التي تفصلهم عن العالم الغربي، وصممت القيادة اليابانية ومن خلفها الأمة على تحقيق التقدم العلمي والتقني، وعلى الوثوب إلى مركز الصدارة فيهما – على الرغم من ندرة الموارد [ ص: 77 ] الطبيعية لبلادهم – ومهما كان الثمن وكانت التضحيات.

وبالفعل استطاع اليابانيون –وفي أقل من ربع قرن من الزمن – أن يحققوا قدرا هـائلا ومذهلا من التقدم العلمي والتقني، كان له مردوده العظيم على مجمل النشاط الاقتصادي في البلاد، وعلى مستوى المعيشة فيها، وعلى قدرتها التنافسية في العالم، وعلى سعر عملتها، وانتقمت اليابان لهزيمتها العسكرية ولضحاياها بصفة عامة ولضحايا هـيروشيما ونجازاكي بصفة خاصة، وذلك بإذلال الاقتصاد الغربي (عامة) والدولار الأمريكي (على وجه الخصوص) عند أقدام الين الياباني.

وقد قامت اليابان في السنوات الخمس الأولى من نهضتها بالتركيز على صناعة الصلب وما تحتاجه من خامي الحديد والفحم الحجري، ثم وجهت اهتمامها بعد ذلك إلى الصناعات الثقيلة والكيميائية والإلكترونية، وإلى زيادة مقدرتها التنافسية في مجال التجارة الدولية.

ومنذ مطلع السبعينيات بدأت الصناعة اليابانية تتوجه إلى مختلف الأنشطة، وتحقق قفزات تقنية متميزة، إلا أنها بدأت تواجه بمخاطر الزيادة في تلوث البيئة، وارتفاع أجور الأيدي العاملة، وعدم توفر المواد الخام اللازمة للصناعة، ونتيجة لذلك فقد بدأت التركيز على الصناعات التي تحتاج إلى معرفة مكثفة من مثل: صناعات الحواسيب الإلكترونية، وأجهزة التحكم الذاتي، وغيرهما من الأجهزة الإلكترونية المعقدة.

وهناك عوامل كثيرة ساعدت اليابان على تحقيق تقدمها العلمي والتقني والاقتصادي، من أبرزها: الإرادة القومية الواعية، السياسات العلمية والتقنية المحددة، وتوفر المناخ السياسي المستقر، والمبادرات الصحيحة للدولة متمثلة في التشريعات المختلفة المعينة على تحقيق هـذه النهضة، وعلى إعداد القوى البشرية اللازمة من العلماء والتقنيين والعمالة الماهرة المدربة، والإدارة القادرة، وتوفير رءوس الأموال اللازمة، وغير ذلك من عوامل توظيف التقدم [ ص: 78 ] العلمي والتقني في خدمة قضية التنمية، كما كانت اليابان رائدة في نقل التقنيات الغربية إلى ديارها، وتطويعها وتطويرها وتوطينها وإعادة تصديرها إلى السوق العالمية، في عملية من الإغراق والقدرة على المنافسة لم تسبقها إليها دولة أخرى.

وفي محيط الدول النامية تبرز كل من كوريا الجنوبية والهند على أنهما استطاعتا تحقيق قدر من التقدم العلمي والتقني خلال العقدين الأخيرين، كما استطاعتا توظيف ذلك التقدم في عميلة التنمية الاقتصادية بنجاح، على الرغم من الصعوبات التي واجهت كلا منهما.

ففي بداية الستينيات، وبعد خروجها من حرب التقسيم الكورية مباشرة، وضعت كوريا الجنوبية برنامجا للتنمية مؤسسا على التقنية الحديثة، استطاعت بواسطته تحقيق زيادة في معدل التنمية السنوية يصل إلى 10%، ولا يزال مستمرا حتى اليوم، كما استطاعت أن ترفع من صادراتها إلى مائة ضعف في الفترة من أوائل الستينيات (100 مليون دولار) إلى سنة 1978م (10 بلايين دلار) .

وقد اعتمدت كوريا الجنوبية في نهضتها على أسلوب نقل وتطوير التقنية، ثم إعادة تصديرها إلى السوق العالمية، وذلك عن طريق الشراء المباشر، والمشاركة والتعامل مع الشركات المتعددة الجنسيات والحصول على العلامات التجارية وبراءات الاختراع، وغيرها من أساليب نقل التقنية وتوظيفها والاستحواذ عليها.

أما الهند، فقد قامت معتمدة على نفسها بوضع أول برنامج للتنمية الاقتصادية قائم على التصنيع، وذلك بعد حصولها على الاستقلال مباشرة في سنة 1947م، وكان الهدف من ذلك سد احتياجات السوق المحلية وليس التصدير إلى الخارج، ولكنها واجهت منافسة شديدة من التقنيات المتقدمة الوافدة، على الرغم من كل تشريعات الحماية للصناعة الوطنية، فاضطرت في [ ص: 79 ] النهاية لقبول نقل التقنيات الأجنبية بدلا من التركيز على التقنيات المحلية.

وكان في اتجاه السياسة الهندية إلى مثل هـذا الانفتاح على العالم الخارجي أثره الكبير في تطوير الصناعة وتوفير البنية الأساسية اللازمة لها، والخبرات العلمية، والتقنية القادرة على القيام بها، ومراكز البحوث والتدريب المتطورة، مما ساعد الهند على تحقيق تقدم ملحوظ في عدد من الصناعات الكبرى، مثل صناعة السيارات والطائرات والأسلحة التقليدية والذرية المتطورة، وما تستلزمه من تقنيات معقدة، كما أعانها على قدر غير قليل من التنمية الاقتصادية في مواجهة الزيادة الرهيبة في تعداد السكان.

في كل هـذه العمليات التنموية – سواء ما تم منها في الدول الصناعية أو في الدول النامية التي أخذت بالأسباب – كان الاهتمام منصبا على النواحي المادية فقط، ومن أبرزها النمو الاقتصادي والغلبة العسكرية، وبينما أهمل العديد من جوانب النمو الإنساني وفي مقدمتها الفهم الصحيح لمعنى عبودية الإنسان لله، ولحقيقة رسالته في هـذه الحياة عبدا لخالقه العظيم، مطالبا بعبادته تعالى كما أمر، وبعمارة الحياة على سطح هـذه الأرض.

ولو أن العملية التنموية كما تمت في الدول المعاصرة – الكبرى منها والصغرى على حد سواء – رافقتها ضوابط أخلاقية/إيمانية تنبع من عقيدة صحيحة ومن وحي إلهي محفوظ بحفظ الله، لتعدت آثارها الحدود المادية للنمو الاقتصادي والاجتماعي، وامتدت إلى عملية النمو الشامل للمجتمعات الإنسانية، بل أبعادها المادية والروحية، وهو أول ما تفتقر إليه المجتمعات المعاصرة على تباين مستوياتها، فالإنسان اتزان دقيق بين المادة والروح، فإذا طغت إحدى هـذه الخصال على الأخرى أخرجت الإنسان من إطار إنسانيته وأفقدته توازنه في هـذه الحياة.

وتكفي في ذلك الإشارة إلى ما تنفقه الدول الصناعية على إنتاج آلة الحرب والذي بلغ تسعمائة مليار دولار في السنة، كما تكفي الإشارة إلى غير ذلك من بلايين الدولارات التي تنفق على برامج الفضاء ومحاولة القوى الدولية الكبرى في السيطرة عليه وفي عمليات الاستخبارات والتجسس والتصنت، في [ ص: 80 ] الوقت الذي يعيش فيه أكثر من ثلاثة أرباع سكان الأرض دون حد الكفاف، وتتهددهم المجاعات، وموجات الجفاف، وكوارث الأمراض الفتاكة دون أن تتحرك نوازع الرحمة في قلوب أصحاب القرار في الدول الغنية فتحول شيئا من هـذه البلايين المهدرة إلى عمارة الحياة على الأرض، ومساعدة هـؤلاء المنكوبين في الدول الفقيرة على مواجهة تبعات الحياة.

كما تكفي الإشارة إلى أنانية أهل الشمال في استئثارهم بأسباب التقدم العلمي والتقني، وعدم تسخيرها في حل مشاكل التخلف والفقر في دول العالم الثالث، على الرغم من كل العمليات الاستعراضية التي تقوم بها منظمة الأمم المتحدة والهيئات العديدة المنبثقة عنها، وحوارات الشمال والجنوب وأشكال المساعدات الدولية وقوافل الإغاثة التنصيرية المتدثرة برداء الرحمة المزيفة، فلا تزال دول العالم الثالث تئن تحت أثقال الديون الغنية بستمائة وخمسين مليارا من الدولارات أغلبها تراكمات للربا الفاحش عاما بعد عام، وتركز دول الشمال على ترك دول الجنوب ضعيفة تابعة ذليلة، توفر لها ما بأرضيها من خيرات ومواد أولية بأزهد الأسعار، وتستهلك فائض بضائعها بأعلى الأسعار، حتى يزداد تراكم الديون عليها، فيسهل التحكم فيها وفرض الإرادة السياسية للدول الكبرى عليها.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإننا ندرك أن جزء كبيرا من المساعدات الأجنبية للدول النامية كان ولا يزال يوجه إلى مشاريع غير إنتاجية لا تخدم الاقتصاد المحلي بصورة جدية، وليس لها علاقة بتطوير الإمكانات الذاتية للإنتاج، ومن أمثلة ذلك مشاريع الفنادق الضخمة، والملاعب الرياضية الباذخة، ودور الأوبرا الفارهة، وغيره من صور الترف والإفساد التي لا تحتاجها الدول الفقيرة في المراحل الأولى من نموها.

وقد أدرك المتبصرون بأمور العالم الثالث أن عملية المساعدات الدولية ما هـي إلا ستار لأعمال الاستخبارات والتجسس، وتكفي هـنا الإشارة إلى أن هـيئة المساعدات الأمريكية في إحدى الدول العربية هـي أكبر تجمع أمريكي مدني له الصفة الحكومية خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية . [ ص: 81 ]

وقد كان لتركيز دول الشمال على توظيف كل رصيدها من التقدم العلمي والتقني في عملية الإنماء المادي وحدها مردوداته السيئة على مجتمعاتها قبل أن يكون على بقية دول العالم، فقد صاحب ذلك ازدياد واضح في معدلات الجريمة، وفي تقنيات أدائها، وفي انتشار إدمان المخدرات، وزيادة تفكك الأسرة، وتحلل المرأة وجنوح الأحداث، وفي الإفراط في التحلل من القيم الأخلاقية، وزيادة الإصابة بالأزمات النفسية، والانهيارات العصبية، وبالأمراض المستعصية المستحدثة والقديمة، وبالرعب الشديد من مخزون الأسلحة النووية والكيميائية والجرثومية والتقليدية المتطورة عند مختلف أطراف الكتل المتصارعة.

أما في غالبية الدول النامية (ومنها الدول الإسلامية) ، فإن محاولات اللحاق بركب التطور العلمي والتقني وتوظيفه في عملية التقنية لا تزال تتعثر في خطة عشوائية غير مستهدية بالمنهج الصحيح؛ وذلك لأن الحدود الدنيا من المقومات المادية والفكرية والبشرية اللازمة لمواجهة مثل هـذه العملية المصيرية لا تتوفر لأي من هـذه الدول بمفردها

فالكثافة السكانية الكبيرة لدى كل من أندونيسيا ، وبنجلادش ، وباكستان ، وتركيا ، ومصر ، ووجود أعداد من الكفاءات العلمية والتقنية والإدارية النادرة لديها، يعوزها فيما يعوزها المال، والوفرة المالية لدى الدول الأخرى تعوزها الكثافة البشرية، والمهارات العلمية والتقنية والإدارية اللازمة لعملية التنمية.

يضاف إلى ذلك، افتقار الدول الإسلامية المعاصرة – في غالبيتها – إلى القيادات السياسية القادرة على توفير قدر من الاستقرار لها والمستوعبة لمدى تخلفها العلمي والتقني والتنموي، ولأخطار ذلك على مصيرها، خاصة وأننا نمر اليوم بظروف لم يعد من الممكن في ظلها أن نضيع المزيد من الوقت.

وقد يبدو أنه المتناقضات حقا أن تكون مسئولية التقدم العلمي والتقني في [ ص: 82 ] العالم الإسلامي المعاصر ملقاة بالدرجة الأولى على كواهل القيادات السياسة؛ وذلك لأنه بغير سلسلة من القرارات السياسية الشجاعة والمدروسة بعمق فإن مجتمعاتنا المتخلفة، وأنظمتنا الإنتاجية البدائية أو شبه البدائية، وأجهزتنا الإدارية القاصرة ستظل دوما عائقا أمام التغيير السريع.

ويجب أن يعي المسلمون أن مجرد إعادة تخطيط المدن، ورصف الشوارع وبناء الجسور، وتشييد القصور، وإقامة ناطحات السحاب غير كاف لتحويل المجتمع إلى مجتمع متقدم، وأن الزيادة المطردة في عدد خريجي الجامعات، حتى لو كانوا من حملة أعلى الشهادات، وتراكم مختلف أدوات التقنية الحديثة – على فائدتها الكبيرة – لا يمكن أن يصنع مجتمعا متقدما محققا التملك العلوم والتقنية وتوظيفهما في خدمة قضية التنمية؛ لأن ذلك يحتاج أول ما يحتاج إلى التوجه العام للأمة، وإلى العديد من السياسات المنظمة، والمؤسسات المنفذة، والكفاءات المتعددة، والبنى التحتية اللازمة، والأطر الإدارية المنضبطة، والتمويل المتين، وعلى ذلك فإن الجزء الأكبر من مسئولية التقدم العلمي والتقني أو التخلف فيهما تقع على كاهل الحكومات، وهي التي بيدها القدرة على استكمال عناصر الأداء العلمية والتقنية (سواء أداة البحث من المختبرات وحقول التجارب، أو من المكتبات ومراكز التوثيق العلمي ومراكز الأهمية العلمية وغيرها) ، واستكمال عناصر القوة البشرية من الأفراد العلميين والتقنيين) ، واستكمال عناصر الإنفاق المادي على البحث العلمي وتطبيقاته، وتهيئة المناخ الاجتماعي المناسب لعملية التقدم العلمي والتقني، والتعاون في ذلك مع مختلف الدول الإسلامية، في محاولة جادة للحاق بالركب وسد الفجوة الهائلة التي تفصلنا في زمرة الدول المتخلفة عن الدول المتقدمة علميا وتقنيا.

ومن أبلغ المؤشرات على عمق هـذه الفجوة واتساعها، تدني إنفاق الدول النامية (بما فيها الدول الإسلامية) على توظيف البحث العلمي من أجل التنمية، والذي لا يتعدى 1.6% من مجموع إنفاق دول العالم، بينما يبلغ ذلك [ ص: 83 ] %98.4 في الدول المتقدمة علميا وتقنيا، منها 66.2% في دول المعسكر الغربي، و32.2% في دول المعسكر الشرقي، وتزداد دلالة ذلك المؤشر حدة إذا علمنا أن عدد سكان الدول النامية يمثل أكثر من ثلاثة أرباع سكان الأرض.

وتبين الدراسات العديدة أن الدول المتقدمة تنفق بين 2% و4% من إجمالي ناتجها القومي على عمليات التقدم العلمي والتقني وتوظيف البحث العلمي من أجل التنمية، بينما لا تنفق الدول النامية في المتوسط أكثر من 0.3%، فكل من إندونيسيا وإيران وباكستان – على سبيل المثال – أنفقت 0.2%، بينما أنفقت كل من بنجلادش والسودان 0.3%، ومصر 0.7% في أوائل السبعينيات. وإذا كانت دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية قد أنفقت على البحث العلمي والتطور ستة مليارات من الدولارات سنة 1955م، فإن الدول الإسلامية مجتمعة لم تنفق مثل هـذا المبلغ الذي ارتفع إلى أكثر من أربعة وثلاثين مليارا في سنة 1975م، وقد بلغت حصة الحكومة الفدرالية من هـذا المبلغ 53%، بينما أنفقت الإدارة المحلية والشركات العملاقة المبلغ الباقي، وهذه المبالغ تتزايد بمعدلات مطردة حتى بلغت قرابة الأربعين مليارا من الدولارات في سنة 1980م.

وبالإضافة إلى ضعف الإنفاق على البحث العلمي والتطوير في الدول النامية، فإن تخلف هـذه الدول في مجال العلوم والتقنية وفي توظيفهما في عمليات التنمية يتجسد في بعد آخر هـو النقص المخل في أعداد المتخصصين من العلماء والتقنيين والعمال المهرة، والتفاوت المذهل بين نسبتهم إلى تعداد السكان في مجتمعاتهم، ونسبة نظرائهم في الدول المتقدمة.

وقد زاد الطين بلة أن هـذه الدول المتخلفة، التي تعاني من عجز واضح في أعداد المتخصصين، تعاني أيضا من سوء استخدام القدرات البشرية المحدودة لديها، أو من الاستخدام الناقص لعلمهم ومهاراتهم، وذلك بوضع هـذه الكفاءات في غير موضعها، أو باستنزافها في المناصب الإدارية البعيدة كل [ ص: 84 ] البعد عن تخصصاتها، أو بمحاربتها والاستغناء عنها، أو بهجرتها إلى الدول الغنية.

وانطلاقا من ذلك وغيره، فإننا نجد أن عملية التقدم العلمي والتقني والقدرة على تنميتها وتطويرها بطريقة مستمرة وعلى توظيفها في قضية التنمية تسير ببطء شديد في كل دولة أو دويلة من الدول الإسلامية، التي يفوق عددها اليوم الخمسين، والتي لم تتخذ بعد خطوة عملية جادة من أجل وحدتها، على الرغم من وحدة العقيدة التي تربطها، ووحدة التاريخ، والمصير، واللغة (في كثير منها) ، وعلى الرغم من تجاور الأرض، وتشابك المصالح، وتشابه الطبيعة الجغرافية والمناخية، وإنفاق العادات والعبادات والأخلاق والمعاملات والسلوك، وتكامل الاقتصاد، ووحدة الأعداء، وعلى الرغم من وضوح الرؤية لدى الكافة، حكاما ومحكومين.

إنه لم يعد ممكنا للكيانات الصغيرة أن تتعايش مع التكتلات الكبرى التي تتكامل فيها الطاقات البشرية والموارد الطبيعية من مثل: الولايات المتحدة ، والاتحاد السوفيتي ، والصين والهند ، وقد وعت أوروبا الغربية هـذا الدرس، فبدأت – على الرغم مما بينها من خلافات عرقية، ولغوية، وعقائدية، وتاريخية، وتنافسات على السوق الدولية، ومصالح متعارضة كثيرة – في التمهيد للوحدة الشاملة على مراحل متتالية بدأتها بالسوق الأوروبية المشتركة من أجل التعاون في التخطيط، والتنسيق بين الإنتاج وتبادل المعلومات، بهدف توحيد الاقتصاد وتقلل التنافس الضار، وتلا ذلك توحيد الأمور الداخلية والعسكرية والسياسية في تسلسل منطقي جاد، خال من الاندفاعات العاطفية الجوفاء.

وفي الوقت الذي تشتد فيه الحاجة إلى وحدة الأمة الإسلامية؛ خاصة بعد اغتصاب فلسطين من قبل اليهود بتخطيط من الحركة الصهيونية العالمية، وبمباركة من الذين يدعون نسبتهم إلى السيد المسيح (عليه وعلى نبينا الكريم وعلى أنبياء الله أجمعين أفضل الصلاة وأزكى التسليم) ، وحتى من أولئك [ ص: 85 ] الملحدين الذين يدعون أن الدين أفيون الشعوب، وكان يظن أنهم يحاربون كل الأديان، فكشفت الأيام أنهم لا يحاربون إلا الإسلام، وبعد زرع الكيان الصهيوني كسرطان في قلب الأمة الإسلامية ومصدر تهديد دائم لها!! وبعد تدنيس أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وغيره من مقدسات المسلمين في فلسطين ، وبعد الاعتداء على الممتلكات والأعراض، وإذلال الرجال، وتقتيل الأطفال والشيوخ والنساء، وملء السجون والمعتقلات بأبناء المسلمين، واستخدام الأسلحة الكيميائية والجرثومية المحرمة دوليا ضدهم، وبعد تهديم المدارس والمستشفيات، واغتيال الآمنين، وتدمير المفاعل النووي العراقي، وتهديد المفاعل الباكستاني، وبعد حروب ساخنة وباردة، ومؤامرات معلنة ومستمرة استنزفت طاقات الأمة!!

وبعد ضياع الجمهوريات الإسلامية في كل من الاتحاد السوفييتي والصين والفليبين ، واحتلال أفغانستان واضطهاد المسلمين في كل من الهند (خاصة في ولايتي جامو وكشمير وغالبيتهم الساحقة من المسلمين) ، وتايلاند ، وسيريلانكا ، وغيرها من دول جنوب شرقي آسيا وأفريقيا ، وبعد المد الصليبي الحاقد إلى غالبية دول المسلمين، والمؤتمرات المتعددة الداعية إلى تنصير مسلمي العالم، حتى بعد ذلك كله لم تتحرك النخوة الإسلامية في عروق أي من الناس في العالم الإسلامي للعمل على توحيد هـذه الأمة التي وصفها رسولنا صلوات الله وسلامه عليه بأنها ( كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ، بل على النقيض من ذلك تماما، كثرت خلافاتهم، واشتعلت نار العداوة والبغضاء بينهم، ولا حول ولا قوة لنا إلا بالله العلي العظيم.

وفي الوقت الذي يشتد فيه الإلحاح على ضرورة تحقيق تقدم علمي وتقني يساير العصر، ويجبر الفارق الرهيب بيننا وبين الدول المتقدمة علميا وتقنيا، والذي يزداد باطراد تعاظما وخطرا، نجد تفتت الأمة الإسلامية واستعار الخلافات بينها، بالإضافة إلى انتشار الأمية بين الغالبية من أبنائها، وانعدام [ ص: 86 ] الاستقرار السياسي عند أي منها، والافتقار إلى مناخ الحرية في ظل الغالبية من حكوماتها، وضياع كرامة الإنسان، نجد ذلك كله يقتل أية محاولة للنهوض العلمي أو التقني والتنموي بالدول الإسلامية، ويجهضها في مهدها، فنرى هـجرة العقول والأيدي الماهرة، وتهلهل البنيات الأساسية اللازمة، والندرة في الكفاءات القيادية القادرة، والخبرات العلمية والتقنية المبدعة، والعمالة الفنية الماهرة.

وفي الوقت الذي يشتد فيه الطلب على التقنيات الحديثة، وعلى ضرورة توظيفها بكفاءة في عمليات التنمية، نجد السياسات العلمية والتقنية للغالبية الساحقة من الدول الإسلامية – إن وجدت – تفتقر إلى وضوح الهدف، وبعد النظرة، وعمق الفكرة؛ لأنها في غالبيتها ارتجالية وغير مدروسة.

وفي الوقت الذي يملي فيه التقدم العلمي والتقني في دول الشمال على غالبية دول الجنوب (وفيها الدول الإسلامية) استنزاف ثرواتها المحدودة في شراء ما تحتاجه من الغذاء، والكساء، ووسائل المواصلات والاتصال، والسلاح، وغير ذلك من منتجات التقنية الحديثة بأسعار مبالغ فيها، وبالديون المحملة بالربا الفاحش في أغلب الأحيان، فإننا لا نكاد نجد في كل دول ودويلات العالم الإسلامي سياسة محدودة للاستغناء عن هـذه التبعية، وذلك الابتزاز – ولو على المدى الطويل – وحتى في الدول الإسلامية التي تتوفر لها عوائد مالية تعينها على تبني خطط تنموية طموحة فإن عجز الكفاءات المحلية عن استيعاب التقنيات الحديثة، وعن نقدها وتطويرها تضع قيودا كبيرة على إمكانية تحقيق التنمية، ومن هـنا تلجأ هـذه الدول إلى العمالة المستورة، في حين أن التجربة الواقعية تؤكد على أن تطبيع التقنية وتحديثها لا يمكن أن يتم بأيد مستوردة، ولا بأفكار وتصورات وقيم غربية، ولا بمهارات فنية وإدارية واقتصادية أجنبية، وأن كل حالة تم فيها ذلك كانت فرصة طيبة لتدريب أبناء المسلمين ولكنها أهدرت وإلى الأبد.

ولا شك أن الظروف الدولية المعقدة – وفي مقدمتها غرس قلعة تقنية متطورة [ ص: 87 ] تحت تصرف الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة، وتزويدها بكل احتياجاتها المادية والفنية وبحمايتها العسكرية والسياسية من قبل دول الشمال، وبتخطيط من الحركة الصهيونية العالمية، وتعضيد كل من الحركة الشيوعية الدولية ومجمع الكنائس العالمي – لتفرض على الدول الإسلامية وبشكل حاد للغاية ضرورة استيعاب التقنيات الحديثة، وإعداد الكفاءات اللازمة لتطويرها محليا من أجل تحقيق نهضة علمية وتقنية قادرة على مسايرة العصر وعلى التنمية الشاملة للأمة والنهوض بقدرتها العسكرية اللازمة للدفاع عن أبنائها وللذود عن أراضيها في وقت نمت فيه القدرات النووية لكثير من الدول النامية المعادية للأمة الإسلامية من مثل الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وجنوب أفريقيا وغيرها، فضلا عن مخزون الدول الصناعية الكبرى، فجميع الدراسات الاستراتيجية والعسكرية تؤكد على أن بعض الدول النامية لديها ترسانات نووية صغيرة، وأن أكثر هـذه الترسانات تقدما وتعقيدا هـي تلك التي يملكها الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، والذي بدأ في الإعداد لها منذ زمن طويل، وبدأت هـي في الإنتاج مع مطلع السبعينيات وهي تهضم الآن أكثر من ثلاثين سلاحا نوويا متطورا.

فإذا أضفنا إلى ذلك 10726 رأسا نوويا استراتيجيا تملكها الولايات المتحدة الأمريكية ، و 8087 رأسا تفوق سابقتها حجما وقدرة على التدمير لدى الاتحاد السوفييتي ، وكلتا الدولتين تدعم الاغتصاب الصهيوني لأرض فلسطين.

وإذا أضفنا أيضا حقد الصهيونية على الإنسانية بصفة عامة وعلى الإسلام والمسلمين بصفة خاصة، انطلاقا من عقيدتهم الزائفة أنهم شعب الله المختار، وأنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم هـم وحدهم البشر، وأن الأميين ما هـم إلا حيوانات خلقت على هـيئة البشر ليكونوا في خدمتهم!

وإذا أضفنا إلى ذلك حقد اليهود على الإنسانية عبر آلاف السنين بسبب ما تعرضوا له من اضطهاد نتيجة لاستعلائهم الزائف وغرورهم الكاذب، أدركنا أخطار وجود هـذه القوة النووية لدى مثل هـؤلاء الحاقدين على البشرية والكارهين [ ص: 88 ] لها، وخطر وقوع الدولتين الكبريين في حبائل عصاباتهما المنتشرة بدهاء في دهاليز حكوميتهما، والمؤثرة تأثيرا فاعلا في سياساتهما.

يضاف إلى كل ما سبق أن البناء السياسي في جميع الدول والدويلات الإسلامية، بل وفي جميع دول العالم الثالث لم يتطور إلى شكله الحالي من خلال التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل منها على المدى التاريخي، بل كان للقوى الاستعمارية الأوروبية الدور الرئيس في تحديد أشكال وحجوم هـذا البناء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبالتالي فإن هـذه الدول – في غالبيتها – لا تمثل وحدات اجتماعية، واقتصادية متكاملة أو شبه متكاملة في ذاتها، فقد كان هـدف القوى الاستعمارية دوما هـو الإمعان في تقطيع وتجزئة الوحدات المستعمرة، وخلق مشاكل الحدود أو الأقليات أو الطبقة بينها حتى يسهل التحكم فيها واستنزاف خيراتها – سياسة فرق تسد – وقد طبقت هـذه السياسة أبشع تطبيق في دول العالم الإسلامي، ولا تزال تطبق حتى يومنا هـذا، وإلى أن يفيق المسلمون من غفلتهم.

إن من المشاكل الرئيسة التي تواجه دول العالم الإسلامي اليوم – بعد تفتيتها إلى أكثر من خمسين دولة ودويلة – هـي عجز أي منها عن القيام بمفرده بأي قدر من التقدم العلمي أو التقني أو من التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية، وذلك لأنه إذا توفرت المقومات المالية لأي منه افتقرت إلى القوى البشرية، وإذا توفرت الأخيرة لدولة أخرى افتقرت إلى الأولى وهكذا، ليس هـذا فحسب، بل إن الفائض المالي الضخم في الدول قليلة الكثافة السكانية بدل أن يتحرك إلى الدول الإسلامية المجاورة، فإنه ينتهي به المطاف عادة إلى بنوك وخزائن الدول الكبرى، التي تحرص كل الحرص على أن تبث في وجدان كل دويلة من دويلات العالم الإسلامي إحساسها بذاتها وشخصيتها وكيانها، وتحذرها دوما من خطر السيطرة عليها من جيرانها، فتزداد بذلك اعتمادا على الدول الكبرى، وتبعية لها، والتصاقا بها.

ونتيجة لهذه السياسة الشيطانية، بلغ حجم الأموال العربية في بنوك [ ص: 89 ] ومؤسسات الدول الكبرى ستمائة وعشرين مليارا من الدولارات - حسب الدراسة التي نشرتها مجموعة البنوك الفرنسية العربية (اليوباف) - في سنة 1988م، هـذا عدا أموال بقية الدول الإسلامية، في وقت تحتاج التنمية في الدول الإسلامية الفقيرة إلى شيء يسير من هـذه المدخرات، بل تبتلع فيه فوائد الديون غالبية إنتاجها ليظل الربا الفاحش يمحق إنتاجها عاما بعد عام، ويثقل كاهلها بمزيد من الديون، وشياطين اللعبة السياسية أتقنوها بدهاء الأبالسة، فحرموا الدول الفقيرة من أدنى قدر من الاستقرار الذي يشجع على الاستثمار فيها حتى يقضوا على مجرد التفكير في تحرك أموال المسلمين في داخل البلاد الإسلامية إذا تنبه المسلمون إلى خطورة اللعبة واستيقظت ضمائرهم.

وعليه فإن الدول الإسلامية المعاصرة لن تتمكن من تحقيق أدنى قدر من التقدم العلمي أو التقني أو التنموي إذا هـي رضخت لمخططات أعدائها، وقبع كل منها في داخل الحدود السياسية والاجتماعية الاقتصادية التي رسمتها القوى الاستعمارية البريطانية أو الفرنسية أو الإيطالية أو الهولندية، والتي تكرسها اليوم القوى الكبرى التي ورثت الاستعمار القديم، والمتمثلة في كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي .

إن توسيع دائرة الوحدة السياسية والعمل على تحقيق التكامل الاقتصادي والثقافي والعلمي والتقني، والاندماج الحقيقي بين جماهير الأمة الإسلامية في التحام مصيري هـدفه إعلاء كلمة الله في الأرض، ونصرة دين الله الحق وتحكيم كتابه وسنة خاتم أنبيائه ورسله (عليهم أجمعين أفضل الصلاة وأزكى التسليم) لم يعد حلما جميلا يراود الخواطر والأفكار، بل أضحى ضرورة مصيرية بغيرها لا يمكن أن يكون لهذه الأمة وجود يذكر في عالم التكتلات السياسية والاقتصادية والعسكرية الذي نعيش فيه. [ ص: 90 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية