في الاقتصاد الإسلامي (المرتكزات - التوزيع - الاستثمار - النظام المالي)

الدكتور / رفعت السيد العوضي

صفحة جزء
الفرع الثاني: بعض الآراء الفقهية التي تعلق بالتوزيع

لا أستهدف تقديم بحث واسع عن أراء الفقهاء، وإنما أحاول تقديم بعض الآراء التي تعتبر من المحددات الرئيسة في هـذا المجال، وبالتالي تعتبر من المحددات الرئيسة التي تشكل طبيعة الاقتصاد الإسلامي في مجال توزيع الثروات والدخول، وفيما يلي بعض هـذه الآراء:

- روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه، قال : الملح والماء والنار ) >[1] ، وألحق الشافعي رضي الله عنه بذلك ما يوجد في باطن الأرض، مما نرى منفعته مادية، وفي متناول من يطلبها، دون جهد منه أو عمل، من كل معدن ظاهر، كالذهب، والتبر وغيرهما والنبات والماء مما لا يملكه شخص معين، ولا يحتاج في إظهاره وإدراكه إلى مئونة. فإن الناس جميعا يكونون في ذلك سواء، لا يختص به أحد من الناس بإحياء أو إقطاع من ولي الأمر، بل يكون شأنه شأن الماء والكلأ والنار، والقاصد إليه شريك فيه كشركته في الماء والكلأ الذي ليس في ملك أحد، قال الشافعي : ومثل هـذا كل عين ظاهرة، كنفط أو قار أو كبريت أو حجارة ظاهرة في غير ملك لأحد فليس لأحد أن يحتجرها دون غيره >[2] .

- منع المنافع العامة من أن تكون ملكا لشخص واحد وجعلها ملكا للدولة وحدها أمر لا شك فيه، إذ ورد في معنى الحديث: أن المسلمين شركاء في ثلاثة : في الماء والنار والكلأ، وهذا من قبيل التمثيل للأمور التي لا يجوز احتكارها، [ ص: 52 ] إذ إن حاجة جماهير الناس إليها سواء، فلا يصح تمكين يد واحدة من الاستيلاء عليها >[3] .

- تقدير العطاء >[4] (أجر الجندي ) معتبر بالكفاية حتى يستغني بها الجندي عن التماس مادة تقطعه عن حماية البيضة .... والكفاية من ثلاثة أوجه:

1- عدد من يعول من الذراري والمماليك.

2- عدد ما يرتبطه من الخيل والظهر.

3- الموضع الذي يحله في الغلاء والرخص.

- ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ) . [ النساء : 5 ].

( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم ) .[ النساء: 9 ]

من التفسيرات الدقيقة لهذه الآية ما نقل عن القرطبي ، من أن مصطلح الضعيف مراد به الصغير، وأن مصطلح السفيه الوارد في هـذه الآية مراد به الكبير، وعلى ذلك يكون تفسير الآية أنها خطاب للجماعة ممثلة في أولياء أمورها بالحجر على السفيه، الذي فقد أهليته للنيابة عن الجماعة في تثمير مالها وحيازته، أي فقد أهليته لوظيفته الاجتماعية، فإن استمرار تصرفه بعد السفه إفسادها لما لها من حيث ملاحظة حقها الأصلي، وإضرار بها من حيث النظر الاقتصادي البحت، الذي يرى أن مال الجماعة يتأثر بما ينال مال الفرد بسبب السفه والنفقة أو سوء الاستغلال >[5] . [ ص: 53 ]

- ويرى الفقهاء أن المناجم والمعادن لا تملك ملكية خاصة وإنما يكون أمرها إلى الإمام >[6] .

- إن كل مال يتحقق فيه النماء، والشروط التي ذكرها الفقهاء، تجب فيه الزكاة، ولو لم يكن جاء به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . >[7]

( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ) [ البقرة : 177 ].

إيتاء المال الوارد في هـذه الآية غير إيتاء الزكاة، وهو ركن من أركان البر، وواجب كالزكاة، وذلك حيث تعرض الحاجة إلى البذل في غير وقت الزكاة >[8] .

- ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) [ البقرة : 262 ].

( ينفقون أموالهم في سبيل الله ) يعني: في دينه، قيل: أراد النفقه في الجهاد خاصة، وقيل جميع أبواب البر، ويدخل فيه الواجب والنفل من الإنفاق في الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن إنفاق في الجهاد على نفسه وعلى الغير، ومن صرف المال إلى الصدقات، ومن إنفاقها في المصالح لأن كل ذلك معدود في السبيل الذي هـو دين الله وطريقته، لأن كل ذلك الإنفاق في سيبل الله >[9] . [ ص: 54 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية