مقالات في الدعوة والإعلام الإسلامي

نخبة من المفكرين والكتاب

صفحة جزء
رسالة الصحافة

إن الصحافة رسالة يرتبط فيها منهج العمل والكفاح بفلسفة محددة مدروسة ومكتوبة، فتناجز غيرها الرأي بالرأي، والفكر بالفكر، والفلسفة المادية للتاريخ برسالة الإسلام الحية الخالدة.. فالدعوة الصحيحة لا تجد سبيلها إلى القلوب إلا بالأسلوب القادر على حمل رسالتها إلى الأعماق..

ولا يشك عارف في أن الصحافة الإسلامية -حتى الآن- عاجزة عن الوصول إلى هـذا الهدف.. وهكذا يضيع مضمون الإسلام الصحيح في لجاجة الدعوة الرديئة.

ولقد كانت الأمة الإسلامية رائدة عصرها يوم كان القرآن الكريم يشكل صحافتها وإذاعتها ومحور حركتها.. به تخاطب، وعلى أساس من هـديه تسالم وتحارب.. وتقطع وتصل..

كانت بيوتهم خليات نحل تدوي بآياته وعظاته، فاستنارت بهديه القلوب، وعمرت بآياته البيوت، وسادت بأحكامه الأمة.

أما الآن.. فقد ظهر صوت ( التلفاز ) في البيت على حساب صوت القرآن ووقته في كثير من الأحيان، وندر وجود المصحف على المكتب في المنزل على حين ثقل بمجلات الجنس، وصحافة المودة والتحلل ، فنضبت معاني الإيمان والرجولة في النفوس، وأضحى إنسان الإسلام اليوم تافها ضائعا [ ص: 88 ] بالنسبة إلى أبيه الأول، وسلفه العظيم في صدر الإسلام، وأدى ضعف الشخصية عنده أن يستقدم فنونا من تقليد المنتصرين في الشرق والغرب، الأمر الذي جعل المجتمع الإسلامي خليطا من المضحكات والمبكيات يندى له الجبين.

إنني أرنو ببصري إلى ما تخرجه المطابع يوميا من جرائد ومجلات في مختلف العلوم والفنون ثم أتساءل: أين تقف الصحافة الإسلامية وسط هـذا الركام الذي لا حد له.. وما الذي قامت به نحو قهر الإلحاد ، ورد الشكوك، وتثبيت الإيمان ؟

وقد يعاجلني بعضهم بقوله: لعلك نسيت المجلات والصحف الإسلامية الشهرية والأسبوعية التي تصدر تباعا من جهات شتى ؟

وأبادر القول: بأن مثل هـذه الصحف والمجلات، مع ما تقوم به من جهد يشكرهم عليه الله والعباد.. إلى أنني لا أتصور الصحافة الإسلامية تلك التي تصدر جامعة لبعض المقالات التي تعالج جوانب العبادة والأحكام الشرعية فقط.. مع أهمية هـذا اللون من الصحافة وضرورته.

إلا أنني أتصور صحافة إسلامية شاملة تبرز على العقل الإنساني في كل صباح، وبكل لغة، كما يبرز ضوء الفجر فيبدد ما أمامه من ظلام وقتام..

صحافة تنسق جهودها، وتتعاون في إبراز رسالتها في وقت اختفت فيه الحواجز الفاصلة وتقاربت المسافات المتباعدة، وأصبح الاتصال وتبادل المعارف بين الشعوب والأمم أمرا يعتمد على الصحافة في كثير من الأحيان.

صحافة تتصدر الساحة الثقافية، وتسطع على العقل الإنساني من جميع المجالات بحيث يجد أمامه -مثلا- مجموعة من الصحف والمجلات الشرعية التي تتخصص في إبراز محاسن الإسلام ونظمه.

وثانية كونية: ترسم آيات الله في الآفاق كما يرسم الشاعر المفتون بالطبيعة الحدائق الناضرة، والأقمار الساطعة. [ ص: 89 ]

وثالثة نسائية: تشرح العطاء القرآني للمرأة، والتكريم الإسلامي لها، وتفضح النوايا الخبيثة التي تخاصم نظام الأسرة العتيد، وما شرعه الدين للبيت من تعاليم تتصل بالقوامة والأمومة والتربية والتوجيه الخاص والعام .

ورابعة تاريخية: تتحدث عن أمجاد المسلمين، وسيرة سلفهم الصالح، وتحسن الانتقاع بثمرات السابقين الذين عاشوا مع الزمن يدافعون عن الإسلام، ويحرسون أركانه.

وخامسة أدبية: تحرس لغة القرآن وتزكي العاطفة الإنسانية نحو دينها وكتابها، وتربطها بربها وعباداته. .. ثم، وهذه يومية تتابع أخبار المسلمين في شتى أقطار العالم، وتتابع شئونهم بالتحقيق والاستطلاع.. بسرعة، وفي حينها.. فإذا وقع ضيم هـنا، او حيف هـناك نبهت إلى الخطر، وحمت من السوء.

إن الصحافة عموما تقدمت تقدما ملموسا في العصور المتأخرة، حتى أصبح الخبز يبرز على صفحات الجرائد ساعات صدوره.. وتتسابق أجهزة الإعلام على نشره وتوصيله إلى القارئ بسرعة فائقة.. فلماذا لا تلاحق الصحافة الإسلامية هـذا الخطو الواسع، وتسقط الزيف الموجود، بحقائقها، وبياناتها، وإحصاءاتها؟

التالي السابق


الخدمات العلمية