مقالات في الدعوة والإعلام الإسلامي

نخبة من المفكرين والكتاب

صفحة جزء
صفات الداعية

إن الداعي في أسلوبه وتعامله مع الآخرين، يحسن به أن يكون كالتاجر الذي يعرض تجارته، يختار الوقت والزمن الملائمين، ويتفاعل مع الأحداث المناسبة، ويخاطب العقول بما يلامس أوتارها، ويحرك كوامنها.

والداعية عندما يكون حكيما ولبقا، لينا وفاهما، يستطيع أن يكسب مشاعر غيره، وينصهر في أعماق نفوسهم، فالله يخاطب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هـي أحسن إن ربك هـو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) ( النحل: 125) .. ذلك أن تعاليم السماء. الصادرة من لدن حكيم عليم [ ص: 109 ] تعطي وشيجة لربط الداعية بالدعوة، بأن يتصف بالحلم والحكمة والتعقل ودراسة نفسية الفئة المدعوة، ثم طريقة العرض والتبسيط في المجادلة والحوار ، وأن يقترن الأمر بأسلوب ترتاح له النفوس، ويتماسك مع عواطفها.

ذلك أن النفس البشرية، لحالة غريزية فيها، تكره الشدة والعنف، وتميل إلى داعي الخير، وقد تستجيب مع البشارة بالنتيجة والملاينة ( بشروا ولا تنفروا. )

ولذلك كان للداعية في كل عصر وزمان، جهود وأعمال، فإنه في هـذا العصر الذي امتزج فيه العلم بالعقل، وتقاربت ثقافات الأمم وتداخلت الحضارات، هـذا الداعية في حاجة إلى أن يرسم لنفسه هـدفا يتجه إليه، وغاية ينشدها.

والهدف الذي يجب أن يركز عليه الداعية الإسلامي ، ليس هـدفا ذاتيا، أو مصلحة فردية، كما أنه ليس مطلبا شخصيا تتحاماه الأنفس، ويتقاتل دونه الأفراد أو الجماعات.

إنه هـدف نبيل رسمته تعاليم الإسلام، وحددته التوجيهات السماوية.. وذلك هـو الارتباط بالله، وإفراده بالعبادة: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هـو الرزاق ذو القوة المتين ) (الذاريات: 56 -58) .

وإذا تحقق الجوهر أمام الداعية الذي أدرك غايته من العمل، وسعى جاهدا من أجل توصيلها للأذهان، فإنه يحتاج إلى ترشيد الأسلوب، وتعميق الأثر.

فإذا كان للدعوة هـدف وغاية، فإن هـدف الداعية يجب أن يرسم من هـذا المنطلق، محاطا بالفهم والإدراك، وحسن الخلق والانضباط..

فهم وإدراك للطريق الذي يسلكه، وإحاطة وشمول لما يريد المتحدث عنه، ودراسة لنفسيات من يتحدث معهم، وإعطاؤهم جرعات تتلاءم مع [ ص: 110 ] نفوسهم، وما يعتمل فـي جوانبهم: ( حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله. ) ذلك أن الداعية الذي لم يدرك أبعاد ما يدعو إليه، ولم يتعمق فيما بين عينيه من مادة وعلم، قد تأتي دعوته بآثار عكسية، ونتائج غير مرغوبة.

إن التحمس الشخصي، والانفعال الذاتي، غير مطلوبين من الداعية، خاصة وأنه يتمازج في حواره ونقاشه، مع أناس لهم خلفيات ثقافية، ونزعات عقلانية، ووجهات نظر عقائدية.. وفي احتكاكه بهم، يكون بمثابة العالم النفساني ، الذي يتلمس مواطن الضعف في النفس لينفذ منها أو الطبيب الذي يتهجس الداء ليصف علاجه ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هـي أحسن ) ( العنكبوت : 46) .

وحسن الخلق والانضباط مع من يتعامل معهم، فبحسن الخلق تذلل العقبات، وبحسن الملاينة، ورقة الملاطفة، تلين النفوس، وبحسن الخلق تنال المراتب، وتؤسر النفوس، وتتحقق المطالب وتتغاضى النفوس عن كثير من الهفوات: ذهب حسن الخلق بجماع الأمر كله.

التالي السابق


الخدمات العلمية