مقومات الشخصية المسلمة أو الإنسان الصالح

الدكتور / ماجد عرسان الكيلاني

صفحة جزء
تفاصيل إحكام تربية مكونات العمل الصالح

أما تفاصيل إحكام تربية مكونات العمل الصالح فهي كما يلي:

أولا: إحكام تربية القدرات العقلية ( وظيفة العقل )

في الإنسان, قدرات عقلية كامنة – كالقدرات الجسدية – يستطيع من خلالها التعرف على البيئة القائمة من حوله بمكوناتها وأحداثها, ثم خزن تلك المعارف، وتمييزها واسترجاعها, وتوظيفها في الوقت المناسب, طبقا للمواقف والمشكلات التي تمر بها خلال مسيرة الحياة.

وتتفاوت هـذه القدرات قوة وضعفا من شخص إلى آخر, أو عند الشخص الواحد خلال فترات حياته – تماما كالقدرات الجسدية أيضا-. فقد تقوى حتى تخترق بيئة الكون الكبير, وتتمكن من التعرف على مكوناته، والوقوف على أسرار القوانين التي تحرك هـذه المكونات, وتسير الأحداث الجارية في الكون, وتسخيرها كلها حسب الأهداف والحاجات التي تتوجه إليها إرادته. وقد تضعف هـذه القدرات العقلية, حتى يعجز الإنسان عن فهم ما يجري في بيئته البيتية والإقليمية المحدودة، فيسخره الكون, وتتقاذفه الأحداث, وقد تنطفئ هـذه القدرات العقلية حتى لا يعود الإنسان يعرف من أمره شيئا..

والقران الكريم لم يدخل في تفاصيل هـذه القدرات العقلية, وإنما رسم لها الإطار العام، جريا على طريقته في الإشارة إلى ميدان العلم والمعرفة, ثم الطلب إلى الإنسان ليقوم بدوره في هـذا الميدان: ( أولم يتفكروا في أنفسهم ) (الروم:8) .

والإشارة التي وردت في القرآن إلى القدرات العقلية إنما جاءت بصيغة الفعل [ ص: 50 ] – لا الاسم – باعتبارها وظيفة من وظائف القلب, وفعلا من أفعاله, التي تجري داخل " لب " الإنسان قبل أن تتحول إلى ممارسات على أعضائه الخارجية: ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ) (الحج: 46) .

ونحن لا نريد الدخول في تفاصيل الجدل الذي دخل فيه علماء المسلمين حول القلب وطبيعته ووظائفه, وإنما نميل –اعتمادا على ما توصل إليه العلم الحديث في التشريع– إلى القول: إن القلب هـو لب الإنسان الداخلي, الذي يقابل تكوينه الخارجي, والذي يتركز غالبه في الدماغ، والقلب اللحمي، والجهاز العصبي, المنتشر في الدماغ والسمع, والبصر وغير ذلك.. وإن هـذه كلها تتكامل في وظائفها, لعقل الموجودات المنتشرة في الكون, أي خزنها من خلال القدرات العقلية, وتوظيفها عند الحاجة, كخزن الطاقة الجسدية من خلال القدرات العقلية واسترجاعها عند الحاجة إليها.

فالعقل – إذن – إشارة إلى وظيفة، وليس إلى شيء قائم بنفسه، مثله مثل وظائف الفهم، والأكل، والشرب، والنوم، والقيام، والقعود، والركض، والقفز، وإنه يعتريه نفس الأحوال التي تعتري هـذه الوظائف من نشاط وعجز وهكذا.

والإنسان يولد مزودا بهذه القدرات العقلية – كبقية القدرات التي أشرنا إليها- ولكنها تكون في حالة تكون بدائي, تحتاج إلى التنمية, والى تدريب الإنسان على حسن استعمالها, ورعايتها, والمحافظة عليها، وتتقرر درجات نموها ونشاطها وصحتها ومرضها حسب نوع التربية التي يتلقاها الإنسان, وطبقا لوعي القائمين على تربية هـذه القدرات وخبراتهم, وللوسائل التي تستعمل لتنميتها واستعمالها, وللبيئة الاجتماعية والثقافية التي تعمل التربية خلالها. ولذلك تتسبب التربية الخاطئة, والبيئات غير السليمة, في إضعاف هـذه القدرات, أو تحطمها, أو تحليلها إلى معوقات للإنسان, وسببا من أسباب شقائه وتدميره. [ ص: 51 ]

والإشارة التي وردت في القران, تدل على أن القدرات العقلية درجات متفاوتة, وأن لكل درجة وظيفتها وأثرها في سلوك الإنسان ومواقفه من الخبرات التي تمر بها, يجب أن تستعمل طبقا لمنهج معين, هـو ما نسميه " منهج الفكر " الذي يتضمن ثلاثة أقسام رئيسية هـي: خطوات التفكير, وأشكال التفكير, وأنماط التفكير أو أنواعه، وأن هـذه القدرات يجب أن تنمى بكيفية معينة, ومن خلال أدوات ووسائل خاصة, ولذلك كله لا بد للتربية الإسلامية, وهي تعمل على تربية وظيفة العقل, أن تركز على أربعة أمور رئيسية هـي:

الأول: تصنيف القدرات العقلية.

الثاني: بلورة منهج التفكير السليم, الذي تستعمل طبقا له القدرات العقلية

الثالث: كيفية تنمية القدرات العقلية، ومنهج التفكير السليم.

الرابع: توفير البيئة اللازمة، لتنمية القدرات العقلية, والتفكير السليم.

وفيما يلي تفصيل لهذه الأمور الرئيسية الأربعة:

التالي السابق


الخدمات العلمية