عمرو بن العاص (القائد المسلم والسفير الأمين) [الجزء الأول]

اللواء الركن / محمود شيت خطاب

صفحة جزء
المقدمـة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، الذي أرسله الله سبحانه وتعالى رحمة للعالمين، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ورضي الله عن قادة الفتح الإسلامي، وجنوده، وعن قادة الفكر الإسلامي، وجنوده، وعلى كل من خدم المسلمين، ويخدمهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فهذا كتاب، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، قائدا من قادة النبي صلى الله عليه وسلم ، وسفيرا من سفرائه، وصحابيا كريما، قدوة للمسلمين، تفيد في دراسة مزاياه القادة، والسفراء، وطلاب الدراسات العليا في الكليات والجامعات العسكرية، فقد مضى على الطلاب العسكريين وقت، يدرسون فيه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، تحت عنوان: (حرب فلسطين) ، ومن معه تحت عنوان: (حرب العراق) ، فيتخرج الطلاب، وهم يرون من استعمر بلادهم قدوة لهم، وليس في مزاياهم غير مزايا المستعمر المغتصب، وجاء الوقت والحمد لله، لنقتدي بقادتنا العرب المسلمين، الذين يتميزون بمزايا تعتبر قدوة لنا، في حاضرنا ومستقبلنا، بجدارة واعتبار. [ ص: 39 ]

وقد سجلت سيرة عمرو بن العاص ، معتمدا على المصادر العربية الإسلامية، فتلك المصادر أحق بالاقتباس منها، فقد صور المؤلفون الأجانب قادتنا، كما تصوروهم، لا كما هـم حقا، فوقعوا في أخطاء جسيمة، قصدا أو جهلا، ولكنها على كل حال أخطاء يجب الانتباه إليها، وعدم تصديقها.. أقول ذلك لأنني رأيت من المؤرخين في الجامعات العربية، من يعتبر آراء الأجانب هـي الأصل، والمصادر العربية الإسلامية هـي الفرع! والواقع، يجب أن يكون تاريخنا العربي الإسلامي هـو الأصل، ومصادر الأجانب هـي الفرع.

ولا أطالب العرب والمسلمين بالابتعاد عن المصادر الأجنبية، بل أطالبهم بالدعوة لعدم تصديق كل ما ورد فيها، وعدم الانبهار بها وتصديق كل ما جاء فيها، بدون تدقيق وتمحيص، لأن المصادر الأجنبية كثيرا ما تدس في مؤلفاتها عن العرب والمسلمين.

وكمثال على الدس الأجنبي في مصادرهم حول عمرو بن العاص، ما جاء في كتاب فتح العرب لمصر، " عن حديث إسلام عمرو أنه قال: ... وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه، إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنني لم أكن أملأ عيني منه.. " ، >[1] .

وقد فهم بتلر ، في كتاب فتح العرب لمصر، حديث عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يطيق النظر إلى وجه عمرو، وليس عمرو هـو الذي لا يطيق النظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم حياء منه، [ ص: 40 ] وهكذا، عكس بتلر المعنى، فقلب الواقع رأسا على عقب >[2] .

إن المصادر العربية الإسلامية، هـي القادرة على وصف رجالات العرب والمسلمين، فيجب أن نعتمدها، ولا نعتمد المصادر الأجنبية، التي قد تضل عن فهم رجالات العرب والمسلمين ضلالا بعيدا، وقد تكون فيها أخطار ودس، خاصة فيما يخص الدين الإسلامي، واللغة العربية.

كما تؤدي دراسة وقائع الجنرالات الأجانب مثل اللنبي ، وغورو وغيرهم، وهم الذين احتلوا بلاد العرب والمسلمين، تؤدي إلى انهيار معنويات جيوش العرب المسلمين.. ولا قيمة لجيوش منهارة المعنويات.

فما هـي المعنويات؟

فإن كان تعريف المعنويات، قبل الحرب العالمية الثانية ، بأنها: الصفات التي تميز الجيش المدرب النفاد، إلى أسس الضبط، عن العصابات المسلحة، وتتجلى بهذه الصفات، الطاعة القائمة على الحب، وتظهر الصبر على المشاق، وتبدي كل المزايا، التي تجعل العسكري مطيعا، باسلا، صبورا، فهذا التعريف يشمل الجيش وحده، لأن الحروب كانت حروب جيوش، لا حروب أمم.

أما تعريف المعنويات اليوم فهو: القوى الكامنة في صلب الإنسان، [ ص: 41 ] التي تكسبه القابلية على الاستمرار على العمل، والتفكير بحزم وشجاعة، مهما اختلفت الظروف المحيطة به.. وهذا التعريف يشمل الشعب كله، لا الجيش وحده.

وإذا أردنا إيضاح هـذا التعريف وتبسيطه، فيمكن القول: بأن الفرد في الشعب يجب أن يكون شجاعا لا يجبن، قويا لا يضعف، عزيزا لا يهون، ثابتا لا يتراجع، صابرا لا ييأس، متفائلا لا يقنط، مستعدا للتضحية بماله، وروحه، في سبيل مثله العليا.

والذي يغرس المعنويات ويرفعها هـما: العقيدة والقيادة >[3] .

قبيل معركة اليرموك الحاسمة، بين العرب المسلمين والروم ، في العام الثالث عشر من الهجرة >[4] (634م) ، " قال رجل من المسلمين لخالد ابن الوليد : ما أكثر الروم وأقل المسلمين... ، فقال خالد: ما أقل الروم وأكثر المسلمين، إنما تكثر الجنود بالنصر، وتقل بالخذلان " >[5] .

ومعنى ذلك أن الجيش ليس بعدده وعدده، بقدر ما هـو بمعنوياته.. فالجيش الذي لا يتحلى بالمعنويات العالية، لا قيمة له في الحرب، والفئة القليلة ذات المعنويات العالية، تغلب الفئة الكثيرة ذات المعنويات المنهارة. [ ص: 42 ]

وقد كان نابليون بونابارت يقول: (قيمة المعنويات بالنسبة للقوى المادية تساوي ثلاثة على واحد ) ، أي أن الجيش تكون قيمته 75% للمعنويات و25% للماديات.

وقد أيد نابليون في مقولته هـذه كبار القادة العسكريين في الماضي، والكثير من القادة العسكريين في الوقت الحاضر، غير أن اللواء فولار في كتابه: (الأسلحة والتاريخ) ، يخالف هـذا الرأي، نظرا لاختراع الأسلحة النووية ، والهيدروجينية ، والتحسينات الهائلة التي طرأت على وسائط قذف هـذه الأسلحة، وعلى أساليب استعمالها.

وليس هـناك شك، في أن الأسلحة الحديثة ذات تأثير، في الناحية المادية للجيوش الحديثة، جعلت نسبة هـذه الناحية بالنسبة للناحية المعنوية (50%) لكل من المادية والمعنوي، أي أن الناحية المعنوية لا تزال ذات قيمة عظيمة، حتى بعد ظهور الأسلحة الحديثة، وأن المعنويات كانت، ولا تزال، وستبقي، عاملا حاسما، من عوامل النصر في الحرب.

فما هـي عوامل رفع المعنويات؟

أ - الدين : فعامل الدين، من أهم عوامل رفع المعنويات في الشعب، ولا أعرف دينا يرفع المعنويات، كما يرفعها الدين الإسلامي الحنيف، ودراسة التاريخ الإسلامي، شاهد على رفع معنويات العرب بعد إسلامهم، ففتحوا أرجاء العالم في سنين معدودات.

ب - القيادة : فالقائد المنتصر، يرفع معنويات رجاله. [ ص: 43 ]

وهذه سيرة أحد قادة العرب المسلمين، وهو: من قادة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن سفرائه، ومن قادة الفتح الإسلامي، فتح شطر أرض الشام ، ومصر ، وليبيا ، وسيرته هـذه تبرز مزاياه، كما هـو في المصادر العربية الإسلامية المعتمدة، لا كما تصوره الأجانب.

وسيرته، وسير قادة الفتح الإسلامي العظيم، أحرى بأخذ الدروس والعبر منها، فهي منا ولنا، ولا صلة لنا بقادة الأجانب; خاصة أولئك الذين استعمروا بلادنا، فهم أحق بالمقت والإهمال، لا بالدروس والعبر.

وصلى الله على سيدي ومولاي رسول الله، سيد القادات، وقائد السادات، رجل الرجال، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

أدعو الله أن تفيد هـذه الدراسة أولادنا العسكريين، في المعاهد والكليات العسكرية، وكل العسكريين من المبهورين بالمصادر الأجنبية، وبالقادة الأجانب، فتلك المصادر هـي غزو فكري ، هـو أخطر من الاستعمار العسكري والاقتصادي.

أدعو الله العلي القدير أن يطهر عقول المسلمين من أدوات الاستعمار الفكري، الذي هـو أخطر أنواع الاستعمار.

والحمد لله رب العالمين

اللواء الركن

محمود شيت خطاب
[ ص: 44 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية