تخطيط وعمارة المدن الإسلامية

خالد محمد مصطفى عزب

صفحة جزء
وبناء على ذلك، نستطيع أن نقسم طرق وشوارع المدن الإسلامية إلى ثلاثة مستويات من الطرق:

المستوى الأول : الطرق العامة ، وقد عرف المقدسي هـذا النوع من الطرق بأنه الشارع المنفك عن الاختصاص، فالناس كلهم فيه سواء يستحقون المرور فيه، ولا اختصاص فيه لأحد بل هـو مشترك عام، الانتفاع لكل من يمر به، ويمنع من التصرف فيه بما يضر المارة في مرورهم، لأن الحق فيه ليس للمتصرف خاصة بل للمسلمين كافة.

ومن أمثلة هـذا النوع من الطرق، القصبة العظمى في القاهرة التي تخترق المدينة من الشمال إلى الجنوب، وهذا النوع من الطرق كما هـو واضح من حقوق جماعة المسلمين >[1] ، وكانت السلطات تتدخل في بعض الأحيان للحفاظ على هـذا النوع من الطرق. [ ص: 90 ]

المستوى الثاني : هـو الطريق العام الخاص ، وهو أقل درجة من الطريق العام، إذ الارتفاق به من قبل جماعة المسلمين، يقل عن سابقه، وبالتالي تزداد سيطرة القاطنين بهذا المستوى من الطرق عليه.

المستوى الثالث : الطريق الخاص ،وأفضل أمثلة هـذا النوع من الطرق هـو الطريق غير النافذ، وهذا النوع من الطرق ملك لساكنيه فقط، ولذا سمي خاصا، بخلاف المستوى الثاني من الطرق، فإنه مشترك بين جميع أهل الطريق وفيه أيضا حق للعامة.

والقاعدة التي استقر عليها الفقهاء في حكم مثل هـذا المستوى من الطرق، هـو أنه يجوز لأي ساكن أن يتصرف في الطريق، بموافقة شركائه فيه >[2] .

ومن هـنا نستطيع أن نفسر تلك العبارات التي وردت في سجلات المحاكم الشرعية العثمانية، والخاصة بمثل هـذا النوع من الطرق مثل: " زقاق مشترك الانتفاع " >[3] ، وقد انتشر هـذا النوع من الطرق في مدن العالم الإسلامي. [ ص: 91 ]

لقد ترتب على هـذا التتابع في مستويات الطرق، أن أصبحت الطرق ذات خصوصيات متدرجة، تبعا لوقوعها تحت أي من المستويات الثلاثة السابقة، وانعكست سيطرة الفرق المالكة للطرق وخصوصيتها، في تكاتف أهل الطريق على توفير الأمن له، من خلال الأبواب التي أقيمت على الحارات والدروب.

لقد كان الهدف من بناء بوابات الطرق غير النافذة والدروب والعطفات، هـو الإعلام بحدود أهل ذلك الطريق، أو الحي، لاشتراكهم في ملكية ذلك المكان، هـذا بالإضافة إلى ابتغاء الأمن، فقد كانت بوابات المدن والحارات تترك مفتوحة أثناء النهار، وتقفل بالليل، بعد صلاة العشاء مباشرة، وبعضها بعد صلاة المغرب ويدخل تصرف إقامة بوابات على رءوس الشوارع في المدن الإسلامية، تحت باب سد الذرائع في الفقه الإسلامي، والمقصود بسد الذرائع منع الجائز، لأنه يؤدي إلى المحظور، بحسم آخر مصدر للفساد يمكن أن يتصوره المشرع >[4] . [ ص: 92 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية