تخطيط وعمارة المدن الإسلامية

خالد محمد مصطفى عزب

صفحة جزء
الفصل الرابع الحسبة وأثرها في المدينة الإسلامية

كان للحسبة في المدينة الإسلامية دور فعال في التنظيم العمراني، نلمسه من خلال أثرها في المدينة، وما فيها من خطط وأسواق ومنشآت، وهو دور جعل المدينة الإسلامية متميزة عن غيرها من المدن.

تعرف الحسبة بأنها: أمر بالمعروف، إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا أظهر فعله >[1] ،

تنفيذا لأمر الله تعالى: ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هـم المفلحون ) (آل عمران: 104) .

والحسبة واسطة بين أحكام القضاء وأحكام المظالم >[2] ، وتتفق الحسبة مع القضاء في إنصاف المظلوم، وإلزام المدعى عليه بالأداء، وتقل عنه بعدم سماع جميع الدعاوى -الخارجة عن ظواهر المنكرات- [ ص: 93 ] كالعقود مثلا، أو المتعلقة بالحقوق المجحودة بينما تزيد الحسبة عن القضاء في متابعة المحتسب لتنفيذ ما يأمر به، وفي إمكانه استخدام القوة أثناء أداء مهمته >[3] .

هذا وقد اعتبر السلف القضاء والحسبة، من أجل المناصب في المجتمع المسلم.

وهناك آداب كثيرة تطلب فيمن يتولى الحسبة، أجملت في النقاط التالية:

" يجب أن يكون من ولي النظر في الحسبة فقيها في الدين، قائما مع الحق، نزيه النفس، عالي الهمة، معلوم العدالة، ذا أناة وحلم وتيقظ وفهم، عارفا بجزئيات الأمور، وسياسة الجمهور، لا يستخفه طمع، ولا تلحقه هـوادة، ولا تأخذه في الله لومة لائم، مع مهابة تمنع من الإدلال عليه، وترهب الجاني لديه ... " >[4] .

وما يعطي هـذه الولاية وجميع الولايات الأخرى في الإسلام قوتها وتأثيرها، هـو أن مقصود هـذه الولايات هـو أن الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هـي العليا، حتى فيما يتعلق بالأمور الدنيوية >[5] [ ص: 94 ]

بمعنى آخر فإن مبدأ الانفصال بين الدين والدولة، يتعارض مع الأسس التي تقوم عليها تطبيقات جميع الولايات والأحكام في الإسلام.

وقد اتسعت مهام المحتسب في المجتمع الإسلامي حتى شملت أمورا عديدة، منها ما يتعلق بالعمارة المدنية، وهو ما سيأتي تفصيله في العلاقة بين الحسبة والعمارة المدنية.

التالي السابق


الخدمات العلمية