تخطيط وعمارة المدن الإسلامية

خالد محمد مصطفى عزب

صفحة جزء
المسألة الرابعة : أن الهياكل العظيمة لا تستقل ببنائها الدولة الواحدة، وذلك لأمور مرجحة وشاهدة:

أحدها: أن البناء يحتاج إلى التعاون عليه بجمع الأيدي الكثيرة، ومضاعفة القدر البشرية، وحينئذ تبلغ ما عظم منه الغاية المقصودة.

الثاني: أن المباني قد تكون -لعظمها- أكثر من القدر، مفردة، أو مضاعفة بالهندام، لتحتاج إلى معاودة أخرى في أزمنة متعاقبة إلى أن تتم، كما يحكى: أن " سد مأرب " بناه سبأ ، وساق إليه سبعين واديا، وعاقه الموت عن إتمامه، فأتمته ملوك حمير من بعده.

الثالث: أن الملك الواحد تجده يشرع في تأسيس المباني الضخمة، فإذا لم يتمها من بعده من ملوك بقيت بحالها من غير تمام.

الرابع: أن كثيرا من المباني الهائلة، عجز عن هـدمها من قصرت قدرته عن الهدم، مع أنه أسهل من البناء، لأنه رجوع إلى الأصل الذي هـو العدم، والبناء على خلاف الأصل، وعند ذلك تعلم أن القدر التي أسسته مفرطة القوة، وأنها أثر دول عديدة.

شهادة عيان قال ابن خلدون " عن حنايا المعلقة " : " إنها -لعهده- يحتاج أهل تونس إلى انتخاب الحجارة لبنائهم، [ ص: 125 ] ويستجيد الصناع حجارتها، فيحاولون على هـدمها الأيام العديدة، ولا يسقط الصغير من جدرانها إلا بعد جهد جهيد، وتجتمع له المحافل المشهورة " ، قال " شهدت منها في أيام صباي كثيرا، والله على كل شيء قدير " .

التالي السابق


الخدمات العلمية