النظم التعليمية الوافدة في أفريقيا (قراءة في البديل الحضاري)

الدكتور / قطب مصطفى سانو

صفحة جزء
مقـدمـة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فقد كان التعليم ولايزال مصدر عز الأمم والمجتمعات، وأس سعادتها وتحضرها وتقدمها، فبقدر ما تتعلم الأمم وتهتم بتعليم أجيالها الصاعدة، بقدر ما تحافظ على هـويتها ووجودها وبقائها، والعكس صحيح.. فما أهملت أمة قط تعليم شبابها، وإعدادهم إعدادا بناء أصيلا إلا أصيبت في صميمها، وعاشت ذليلة مهينة في مؤخر الأمم، وعلى هـامش الحضارات.

إن النظام التعليمي هـو الذي يشكل العصبة التي يستند عليها التعليم، غاية ورسالة وسياسة في المجتمعات، وهو المسئول مسئولية أولية وأساس عن أسباب تحضر المجتمعات وتقدمها، كما هـو المسئول أيضا عن تخلف المجتمعات، وتأخرها، وانتكاسها، وهو بمثابة المصانع التي لا تخلو من أن تنتج أجيالا أكفاء، يدفعون عجلة التقدم والتطور في مجتمعاتهم، أو تنتج أجيالا يحيـون عالـة يتكففـون [ ص: 39 ] ما في أيدي الآخرين، أذلاء مهينين هـامشيين، ولذلك فإن أي نقد -مدحـا أو قدحـا- يطـال التعليـم، فإنمـا يتمحـور حولـه بالدرجة الأولى.

وعليه، فإن هـذه الدراسة المتواضعة تهدف إلى تحليل النظم التعليميـة السائـدة في القـارة الإفريقيـة >[1] ، تحليـلا علميا دقيقا.

كما تروم -ثانية- تأكيد وافديتها وغربتها على واقع القارة، من حيث مرجعياتها، وأهدافها، وملاءمتها للقارة ولظروفها الاستثنائية الحرجة المؤسفة.

وتهدف الدراسة -ثالثة- إلى إبراز أزمة هـذه النظم، وتسليط الضوء على آثارها الفكرية والعلمية والسياسية والاجتماعية [ ص: 40 ] والأخلاقية، على شباب القارة، تفكيرا وتدينا وانتماء ورسالة ومنهج حياة.. وترمي الدراسة -رابعة- إلى تأصيل القول في وجود علاقة وطيدة ومتينة بين تلك النظم التعليمية الوافدة، وبين دوامة التخلف والحروب الأهلية، والقلاقل والأزمات التي تنتعش في أرجاء القارة، والتي لا تفتأ القارة -شرقا وغربا، شمـالا وجنـوبا- تتقلب فيهـا ليل نهار.

وتهدف الدراسة -أخيرا- إلى اقتراح بديل حضاري لتلك النظم، قادر على اجتثاث جذور وعوامل التخلف من جهة، وقادر على إنتاج جيل من الشباب مسئول متحضر، مستخلف لله، يصدر عن علم إعماري عمراني توحيدي خلاق. وقد بذلت الدراسة ما وسعها من جهد في تأصيل القول حول طرق أسلمة النظم والمناهج السائدة، كما أبرزت الوسائل والجهات التي ينبغي الاستعانة بها في تحقيق هـذا البديل الحضاري، وصيرورته واقعا ملموسا قابلا للملاحظة والتقويم.

تلك بعض من الأهداف التي رامت هـذه الدراسة تحقيقها، متخذة من المنهج الوصفي التحليلي النقدي منهجا لتناول فقراتها [ ص: 41 ] وموضوعاتها، ويحدونا الأمل أن يأتي ذلك اليوم الذي تتحقق فيه أسلمة حقيقية للنظم التعليمية السائدة، فأسلمة شاملة لجميع شعاب الحياة العملية في القارة، وعسى الله أن يوفق الجميع إلى مافيه صلاح الإسلام والمسلمين، وأن يهدينا إلى سبل السلام في دار السلام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [ ص: 42 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية