إشكاليات العمل الإعلامي (بين الثوابت والمعطيات العصرية)

الأستاذ الدكتور / محي الدين عبد الحليم

صفحة جزء
الفصل الخامس المنهج المميز للإعلام الدعوي

يقوم الإعلام الدعوي على أصول راسخة وقواعد ثابتة، لأنه يستقي منهجه من القرآن الكريم، ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الإعلام والتأثير.

وبفضل هـذا المنهج استطاعت رسالة الإسلام الانتشار على مساحة واسعة من كوكب الأرض، وتمكنت من التأثير في الجماهير التي تقطن فوق هـذه الأجزاء من العالم شرقا وغربا، وبسطت نفوذها في العديد من الأماكن، وبين مختلف الفئات والطوائف التي اعتنقت الإسلام بعد احتكاكهم بأهله، ومعرفتهم بأصوله، كما هـو الحال في منطقة شرقي آسيا (إندونيسيا وباكستان وبنجلاديش والهند وماليزيا والفلبين ) ، وغيرها من البلاد التي لم تحتلها جيوش، ولم يدخلها جنود، أو يشهر فيها سلاح أو تراق فيها نقطة دم واحدة، وهذا يدل دلالة واضحة على القوة الذاتية الكامنة في هـذا الدين الذي يستهوي كل من يقترب منه ويفهمه فهما صحيحا، ويفتح قلبه وعقله للتعرف على مبادئه وفهم جوهره.

وإذا كانت الدعوة الإسلامية تبعث في رجالها الثقة بالنفس والقدرة على المواجهة، فإنها تهيئ لهم المناخ الصحي الذي يمكنهم من تحقيق النجاح إذا التزموا بالمنهج الذي سار عليه إمام الدعاة صلى الله عليه وسلم في البلاغ والإقناع، وتزودوا بالمعطيات العلمية المعاصرة. [ ص: 167 ]

ويقوم هـذا المنهج على الأساليب والآليات التالية:

أولا: البساطة والوضوح، في الشكل والمضمون

يقوم الإسلام على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.. وهذه العقيدة السهلة، كما يقول المستشرق الإنجليزي توماس أرنولد >[1] ، لا تتطلب خبرة طويلة أو تجربة عميقة، ولا تثير أية مصاعب عقلية للفهم والاستيعاب، بل إنها تخاطب أدنى المستويات العقلية والإدراكية في الإنسان، نظرا لخلوها من التداخلات والحيل النظرية أو اللاهوتية، ومن ثم فإن أي فرد يستطيع أن يستوعبها، ويشرحها، حتى أقل الناس خبرة بالأصول العقدية لهذا الدين.. وفي الحقيقة أن بساطة تعاليم الإسلام ووضوحها تعد من أبرز العوامل الفعالة في نشر الرسالة، في مختلف المجالات وبين مختلف الأوساط >[2] وقد تميزت دعوة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ببساطة في اللفظ، ووضوح في المعنى، ويسر في الدين، ولهذا لم يعهد التاريخ مصلحا أيقظ النفوس، وأحيا الأخلاق، ورفع شأن الفضيلة في زمن قياسي، كما فعل محمـد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، لأن فهم الدعوة الإسلامية لا يحتاج إلى مقدرة عقلية خاصة، وملكات ذهنية كبيرة، ويرجع ذلك إلى طبيعة هـذا الدين الذي [ ص: 168 ] يخاطب فطرة الإنسان، ويتعامل مع ظروفه، ويلبي رغباته، ويعالج قضـايـاه، ويـرد علـى تساؤلاتـه، ويربـط -فـي تناسـق وانسجـام- بين ما يتضمنه من حقائق وبين واقع الحياة، فمشكلات الناس وقضاياهم، يجدها الإنسان معروضة بصورة مبسطة، سهلة الفهم والاستيعاب، في القرآن الكريم، وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.. وقد كان هـذا هـو النهج مع سائر الرسل، فكان الحق تبارك وتعالى يبعث في كل أمة رسولا منهم ليكون أقدر على فهمهم وإفهامهم:

( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ) (إبراهيم:4) .

وقد أراد الله عز وجل أن ييسر للناس فهم وإدراك الرسالة، حتى يتمكنوا من استيعابها والعمل وفق معطياتها:

( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) (البقرة:185) .

وبهذا المنهج المتميز استطاعت الدعوة الإسلامية أن تجذب انتباه الجماهير وتصل إلى عقولهم ووجدانهم دون صعوبة، وتلبي رغبتهم في الوقوف على تبريرات مفهومة وبسيطة ونهائية للقضايا والمسائل العامة التي تثار في المجتمع، وهذا يفسر الأسباب التي تجعل الناس مستعدين لتقبل التفسير الذي يقدم إليهم، لا سيما عندما يأتي هـذا التفسير من مصدر موثوق به >[3] [ ص: 169 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية