دور المرأة في خدمة الحديث (في القرون الثلاثة الأولى)

آمال قرداش بنت الحسين

صفحة جزء
سعة علمها رضي الله عنها

إن من المنح الإلهية لعائشة أن وهبها الله تعالى ذكاءا وذاكرة قوية وحفظا سريعا، فقـد نشأت في بيت أبي بكر وعاشت في بيت النبـوة، ونهلت من المعين النبوي الصافي، وعرفت بالتطلع الواسع إلى الاستفادة من العلم والفهم، فكانت كثيرة السؤال والاستفسار، شديدة التمحيص والتنقيب، وقد شهـد لها بذلك الأكـابر، " فـعن ابن أبي مليكة : إن عائشة كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه " >[1] . [ ص: 49 ]

علمها بالقرآن

لقد كانت رضي الله عنها -وهي صبية تلعب- تسمع الآية من القرآن فتحفظها وتضبط مكان نزولها ووقت النزول، حيث " تقول: لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: ( بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ) (القمر:46) ، وما نزلت البقرة والنساء إلا وأنا عنده " >[2] .

ثم بعد أن انتقلت إلى البيت النبوي حضرت الكثير من نزول القرآن، وإن الوحي كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في لحافها، لذلك وصفت أحواله عليه الصلاة والسلام حين نزول الوحي عليه >[3] ، الأمر الذي جعلها تلتقط الآية من فم النبي صلى الله عليه وسلم فتحفظها وتعي الأحكام والمقاصـد >[4] ، فجمعـت إلى حفـظ القـرآن معـرفة معانيـه وتفسيره، فأصبحت من كبار المفسرين للقرآن الكريم، وساعدها على ذلك معرفتها باللغة العربية وأشعارها وآدابها >[5] ، وكان لها مصحف خاص، به جمعت القرآن إلى تفسيـره، ولذا كان بحجم المصحف ثلاث مرات >[6] . [ ص: 50 ]

علمها بالحديث رضي الله عنها

لقد كانت من كبار المحدثين وحفاظ السنة، وقد امتازت عن غيرها من الصحابة أنها سمعت تلك الأحاديث مشافهة من النبي صلى الله عليه وسلم ، لذلك انفردت برواية أحاديث لم يروها عنه غيرها لمكانتها عنده >[7] .

ولذلك يرجع الفضل إليها في نقل السنة النبوية ونشرها بين الناس، والتي لو لم تنقلها لضاع قسم كبير منها، خاصة في الأمور التي تتعلق بتصرفات النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ومع أهله.

وكان حفظها لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإتقانه مرجعا للصحابة فيما اختـلفوا فيـه من الأحـاديث للتحقيق من سماعها له من فم النبي صلى الله عليه وسلم فيجدون عندها الجواب الشافي الذي يحسم الخلاف ويرد الشك >[8] . فهذا أبو هـريرة يحدث بحديث سمعه ابن عمر فينكره عليه فيذهب به إلى عائشة ، الحديث >[9] ، وكان أبو هـريرة من عادته الجلوس إلى حجرة عائـشة يسمعها ما يحدث به الناس، ثم يقول: (يا صاحبة الحجرة أتنكرين مما أقول شيئا؟ ) >[10] [ ص: 51 ]

وكان من شك في رواية أتى عائشة سائلا، ومن كان بعيدا كتب إليها يسألها، ومن هـنا طار لها ذلك الصيت في التمكن من العلم، ورجع إلى قولها كبار الصحابة، وصار معاوية في خلافته يكتب إليها سائلا عن حكم، أو حديث، أو شيء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يطمئن إلى يقين مما يسمع من غيرها، حتى يرد عليه جوابها فيبرد صدره.

التالي السابق


الخدمات العلمية