دور المرأة في خدمة الحديث (في القرون الثلاثة الأولى)

آمال قرداش بنت الحسين

صفحة جزء
فقهها رضي الله عنها

إن عائشة رضي الله عنها كانت فقيهة جدا حتى قيل: إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها، بل إن الإمام الزهري قد جزم أن عائشة أفقه نساء الأمة على الإطلاق، كما عد ابن حزم العلماء الذين حفظت عنهم الفتوى من الصحابة مائة ونيفا وثلاثين نفسا، بين رجل وامرأة، والمكثرون منهم سبعة من بينهم عائشة، ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم سفر ضخم.

وأقوال العلماء المشهود لهم بالفضل والعلم في مكانة عائشة العلمية، تعكس الإجماع المنعقد في الأمة على إمامة عائشة فيما ورثته من العلم النبوي، فقد كانت من القلة القليلة التي حظيت بهذا المركز [ ص: 52 ] المرموق، وكانت تأتيها مشيخة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن عويص العلم ومشكـله، فتجيـبـهم جوابا مشبعا بروح التـروي والتحقيـق، ممـا لا يتسنى إلا لمن بلغ في العلم مقاما عليا، وقد شهد لها بهذا الصحابي أبو موسى الأشعري " إذ قال: ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علم " >[1] .

وكانت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قد استقـلت بالفـتوى مدة خلافـة أبي بكر وعمر إلى أن توفيت >[2] .

علمها بالطب والشعر وأخبار العرب

وكما كانت عائشة مرجعا مهما في الشئون الفقهية والتشريعية وكبيرة محدثات عصرها، بل كافة العصور، كانت أيضا من أبرع الناس في الطب والشعر وأحاديث العرب وأخبارهم وأنسابهم، فهذا " ابن أختها عروة بن الزبير، يصف عائشة خبيرة في هـذه الفنون فيقول: لقد صحبت عائشة فما رأيت أحدا قـط كان أعلـم بآيـة نزلـت، ولا بفريضة، ولا سـنة، ولا بشعـر ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب ولا بكـذا ولا كذا، ولا بقضـاء ولا طب منها، فقلت لها:يا خالة! الطب من أين تعلمتيه؟ فقالت: كنت أمرض فينعت لي الشيء، أو يمرض المريض فينعت له، وأسمع الناس ينعت [ ص: 53 ] بعضهم لبعض فأحفظه " >[3] ، فلم يعجب عروة من علم عائشة بأنساب العرب وأيامهم، فإنها ابنة أبي بكر، وكان أعلم الناس في هـذا الفن، كما أنه لم يعجب من فقهها وعلـمها وأدبها، فهي زوجـة نبـي -و (ما ظنـكم بـأدب النبـوة) كما يقول الشعبي >[4] فلا عجب بعد ذلك كله أن تكون عائشة أفقه النساء، لذلك شاع علمها وانتشر فضلها في الأقاليم، وفاقت غيرها في الفرائض والسنن والفقه.

كما امتازت بفصاحة اللسان، وبلاغة المقال، إذا خطبت ملكت على الناس مسامعهم، وإذا تكلمت أخذت بمجامع قلوبهم، فعن الأحنف ابن قيس قال: سمعت خطبة أبي بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، والخلفاء هـلم جرا إلى يومي هـذا، فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن من في عائشة >[5] .

كما كان لأم المؤمنين دورها في حياة المسلمين في مختلف مجالات الحياة، ولم تكن بمنأى عن الأحداث التي مرت بالمسلمين خلال حياتها التي اقتربت من السبعين إلا قليلا. وكانت لها مواقف مشهورة، وآثار معروفة في الأحداث السياسية والاجتماعية التي مرت بالمسلمين بعد مقتل سيدنا عثمان بن عفان ، وقـد سجلـت كتـب التـاريخ كثـيرا من [ ص: 54 ] الأحـداث التي تركـت فيها أم المؤمنين لمسات بارزة تشير إلى صورة العصر آنذاك، فما ظننا بعالمة ربانية، وفقيهة موسوعية، وأديبة أخذت من كل علم بطرف، إلا أن تكون منارة يهتدى بها وقد كان >[6] .

التالي السابق


الخدمات العلمية