الإعـلان من منظـور إسلامي

الدكتور / أحمد عيساوي

صفحة جزء
التكوين الفني للإعلان الإسلامي

يتشكل الإعلان -كما ألمحنا سابقا- من مكونات فنية رئيسة، تأخذ شكلها النهائي عبر مراحل إخراجية وفنية معقدة، بدءا بتحديد هيكله الابتدائي، فالتقريبي، فالتجريبي، فالنهائي.. وهذه المكونات هي:

1- العنوان.

2- الفكرة.

3- نص الرسالة.

4- الصور والرسوم الإيضاحية والألوان والألحان والحركات، وما إليها.

5- الشعار والعلامة الفارقة.

6- خطة تنسيق الهيكل العام لمحتويات الإعلان.

>[1] [ ص: 168 ]

وتبقى هذه المكونات الفنية خاضعة لقدرة الإعلاني الإسلامي على إخراجها من حيز الوجود النظري إلى حيز الوجود الواقعي، لتواجه الجمهور المستقبل وتجذبه إليها أو لا تجذبه، ومرهونة أيضا بمدى إدراكه الشرعي والفني لأبعاد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( .. إن الله جميل يحب الجمال.. ) . >[2]

وسنعرض هنا بشيء من التفصيل لهذه المكونات.

* العنوان

تحتوي الإعلانات المكتوبة عموما على عنوان رئيس وعناوين أخرى فرعية، وكثيرا ما يكون للعنوان الأثر الفعال في جذب انتباه الجمهور المستقبل إليه.. ولكي يحقق هذا المستوى من الجذب، لا بد أن تتوفر فيه المواصفات التالية:

1- أن يكون جذابـا ومؤثرا وملفتا للانتباه.

2- أن يبين منافع السلع والمنتجات والخدمات وإيجابياتها وفوائدها.

3- أن يكون صلبا وقصيرا ومعبرا، حتى يقرأ أو يسمع أو يشاهد بسهولة ويسر.

وكثيرا ما يستحسن استخدام اسم السلعة أو المنتج أو الخدمة عنوانا مناسبا للإعلان، لمباشرته ودقته ووضوحه، كما يستحسن استخدام اسم أحـد المشهوريـن المعروفـين أو بعـضا من قـادة الـرأي [ ص: 169 ] في المجتمع.

وإذا استطاع العنـوان أن يجـذب اهتمـام الجمـهور -بوضـوحه أو بغموضه- ويثير انتباههم بجاذبيته وحسن إخراجه الفني، فهو حتما سيدفعهم إلى الإقبال على مطالعة وسماع ومشاهدة الأجزاء الأخرى من الإعلان، لتقوده إلـى البحث عن فكرته الأساسية.

وما دام الإعلان يضطلع بهذا الدور الرئيس في جذب انتباه الجمهور والمستقبل وحفز اهتماماته، فإنه قد بات من الضروري على الإعلاني الإسلامي الاهتمام به كبوابة ناجحة لقلوب الجمهور، مع تجنبه الواعي لكل العناوين المحرمة والمثيرة للغرائز والشهوات، كما هو حال الإعلانات الغربية، التي تحط من الكرامة الإنسانية بهدف الربح السهل والسريع.

إن الإعلان الإسلامي الناجح، هو الذي يختار عنوانه وفق المعايير والضوابط الإعلامية والإعلانية العلمية والفنية الشرعية، ليقود الجمهور المستقبل -بصدق وبموضوعية وبمباشرة- للإقبال على مطالعة بقية أجزائه الأخرى، وبالتالي الإقبال على ما يعلن عنه.

* الفكرة

يقوم الإعلان الإسلامي على فكرة معينة رئيسة، تجذب القراء والمستمعين والمشاهدين إليه. وكثيرا ما يترتب نجاحه أو فشله في تحقيق أهدافه على نوعية الفكرة التي يعرضها لجمهور المستقبلين، أو [ ص: 170 ] إلى خلوه أساسا من الفكرة الإعلانية، أو إلى سوء اختياره للفكرة الصحيحة والمناسبة للجمهور.

والفكرة الإعـلانية الإسلامية الناجحة، تستمد مواصفاتها من المنتجات والسلع والخدمات المعلن عنها.

ويشترط في الأفكار الإعلانية الناجحة توفر المواصفات التالية:

1- عدم تعارضها مع أصول وفروع الدين الإسلامي، وأصول الإعلام والإعلان الإسلامي.

2- أن تكون الفكرة الإعلانية جديدة لم يسبق لأي إعلانات أخرى أن عرضتها على جمهور المستقبلين، وخاصة من الشركات ذات الحضور العالمي الفاعل في الساحتين الإعلانية والاقتصادية.

3- ألا تتعارض فكرة الإعلان مع آراء واتجاهات وثقافة الأغلبية الساحقة من الجمهور المستقبل، وأن تكون مقبولة لدى القسم الكبير منهم على أقل تقدير، ضمانا لنجاحها ورواجها.

4- أن تعبر عن كل الصفات أو بعض الصفات الحقيقية والواقعية والفعلية للسلع والمنتجات والخدمات المعلن عنها.

5- أن تتجاوب مع دوافع وحاجات الجمهور المستقبل، وتشعره بقدرتها على تلبية حاجاته، وإشباع رغباته.

6- عدم تعارضها مع عادات وتقاليد وثقافة الجمهور الموجهة إليه.

وإذا نجحت الفكرة الإعلانية بالاستحواذ على عقل وعواطف [ ص: 171 ] الجمهور المستقـبل، فإنـها تدفـعه برغـبة شديـدة لتـتبع نـص الرسـالة الإعلانية التي لا تقل أهمية في دورها التأثيري عن دور العنوان الرئيس.

وهكذا يندفع الجمهور المستقبل متأثرا بالعنوان الجذاب أولا، ثم بالفكرة الجيدة الأصيلة ثانيا، فإلى نص الرسالة الإعلانية القوية ثالثا.

* نص الرسالة

يتكون نص الرسالة الإعلانية من مجموعة الكلمات التي يستخدمها الإعـلان بهـدف إقناع الجمهور المستـقبل للإقبـال على ما يعلن عنه.. وقد تقرأ هذه الكلمات من قبل الجمهور في الإعلانات المكتوبة، وقد تسمع في الإعلانات السمعية، وقد تشاهد وتسمع مع الحركة والحياة في الإعلانات السمعية البصرية.

ولكي تكون الرسالة الإعلانية الإسلامية ناجحة، لا بد أن تشتمل على المقومات التالية:

1- أن تكون جملها قصيرة جدا، ومقتضبة التركيب، وبعيدة عن كل إبهام أو غموض أو تعقيد لغوي أو فكري، حتى تسهل قراءتها وفهمها وسماعها ومشاهدتها بالنسبة لعموم الجمهور المستقبل.

2- في حالة طول نص الرسالة الإعلانية، يستحسن تجزيء النص تحت عناوين فرعية.

3- أن يتناول النص ذكر الخصائص والمميزات التي يريدها الجمهور [ ص: 172 ] المستقبل، لأنه يقبل عليها من أجل الخصائص والمميزات التي سينتفع بها، وللفـوائد الإيجـابية التي ستعود عليه من جراء الإقبال عليها. >[3]

كما أن صياغة نص الرسالة الإعلانية، يقوم بدور البائع في وصف السلعة وتعداد محاسنها وفوائدها وخصائصها ومميزاتها، كما يقوم بدور المتعامل المبين لكل مزايا الخدمات والمنافع التي تجلبها.

وقد تخطو صياغة نص الرسالة الإعلانية خطوات إيجابية وفعالة، حين تحمل دعوة جدية للقارئ أو المستمع أو المشاهد من أجل السعي للحصول على عينة، أو الدخول في مسابقة، أو تقديم قسيمة نموذجية، أو منح جائزة أو نموذج من السلعة، أو قسطا من الخدمات التي يروج لها.

>[4]

وإذا نجح نص الرسالة الإعلانية بالاستحواذ على عقل وعواطف الجمهور المستقبل، فإنها ستدفعه مبـاشرة وبرغـبة أكيـدة للتـمعن في الأجـزاء البـاقية من الإعلان، كالصور والرسوم الإيضاحية والأصوات والحركات والسلوكات والعلاقات التي يمارسها ويتوخاها منفذو الإعلان. [ ص: 173 ]

وبهذه الطريقة الفنية الرائعة، يؤدي نص الرسالة دوره الفعال والمؤثر في جذب الجمهور المستقبل نحوه.

* الصيغ الفنية الأخرى

إن الـوظيـفـة الأسـاس للصـورة أو الـرسـم أو الألـوان أو الحجم أو الشكل، هي تسريع نقل المعلومات عن الفكرة الرئيسة في الإعلان للجمهور المستقبل. ويمكن أن تسهم الصورة أو الرسم أو اللحن أو اللون، في نجاح الإعلان بطرق مختلفة. >[5]

وقد تأخذ الصورة أو الرسوم أشكالا مختلفة، وذلك تبعا لمكونات الإعلان ولنوعية ما يعلن عنه، لأن تأثير الصورة في الإعلان ومكانتها فيه أكبر من تأثير الكلمات المكتوبة.. وبتأثيرها يرسخ الإعلان في ذاكرة الجمهور فترة طويلة. >[6]

وتعتبر الصورة الحية من أفضل الوسائل الفنية إقناعا، وذلك لقدرة الصورة على جذب الانتباه وتحقيق الاقتناع وتحصيل الرضا العام للجمهور المستقبل. فالصورة لغة عالمية واحدة تفهمها كل الشعوب.. كما أنها تزيد من فاعلية المشاهد وحيوية أدائها، وقدرتها على توضيح المعلومات وتقديمها حية جلية للجمهور، فضلا عن كونها الرسالة الفنية الوحيدة التي تستقبلها أكثر من حاسة من حواس جمهور [ ص: 174 ] المستقبلين. >[7]

وتستخدم الصورة في الإعلانات التجارية للحصول على الكثير من النتائج، من أهمها:

1- إثارة اهتمام الجمهور، وتركيزهم على الإعلان دون غيره.

2- تسهيل قراءة الإعلان وفهم محتوياته.

3- نقل أكبر قدر ممكن من الحقائق والمعلومات عن المسائل المعلن عنها لجمهور المستقبلين.

4- تثبيت أثر الإعلان في ذاكرة الجمهور المستقبل، حتى يتمكن من التأثير في قراراتهم.

والصور بالنسبة للجمهور المستقبل أنواع عديدة، منها المألوفة لديهم، ومنها الغريبة عن مخيالهم ومخزونهم الثقافي والاجتماعي والتراثي.. ويستطيع الإعلان الناجح استغلالها لجذبهم نحوه والتأثير فيهم، وهي أنواع عديدة أشهرها: الصورة الهزلية الضاحكة. الجادة. المفرحة. الحزينة. التعبيرية. الإيحائية. الحية. الكاريكاتورية. الفوتوغرافية. الإلكترونية. الطبيعية...

وتضطلع الصورة بدورها الفاعل والمؤثر في الإعلان إذا أحسن اختيارها وفق المعطيات والمعايير العلمية والواقعية للإعلان وللجمهور [ ص: 175 ] المستقبل، وبالتالي تستطيع جذب اهتمام الجمهور.. وقد تفشل أيضا في ذلك إذا لم يحسن استغلالها واستعمالها في مواضعها المناسبة لها.

كما تؤدي الألوان دورا مهما في نجاح الإعلان -فيما عدا اللونين الطبيعيين الأبيض والأسود- وذلك لمقدرتها على جذب انتباه واهتمام الجمهور المستقبل، لقوتها المؤثرة في ذاتها من جهة، ولحسن تنسيقها وإخراجها ومزجها وتركيبها الفني من جهة أخرى، فلها من القدرة الإيحائية والتأثيرية ما يقنع الجمهور المستقبل عقليا وعاطفيا للانجذاب نحو ما يعلن عنه.

وإذا نجحت الصور والرسوم والألوان والأشكال والأصوات، وغيرها من الأطر الفنية، في الاستحواذ على عقل وعاطفة الجمهور المستقبل، فإنها ستدفعه حتما بقوة ورغبة شديدة للاطلاع على بقية المكونات الفنية الأخرى، ومن ثم على الإعلان نفسه.

* الشعار والعلامة الفارقة

يستعـين مصمم الإعـلان في كثـير من الأحيان ببعض الإشارات والرموز والعلاقات، التي تساعد على توضيـح فكـرته وتقديمها للقارئ أو للمشاهد جلية لا غموض فيها. وتلك الإشارات والعلامات قـد تكـون في شكـل كلمات، أو رمـوز، أو أشكـال فنيـة أخـرى، أو هندسية، أو تراثية، أو ثقافية، أو اجتماعية.

والشعار عبارة عن جملة إعلانية، تتميز بالسهولة والوضوح [ ص: 176 ] واليسر، وتعرض لخاصية أساسية من خصائص المنتج، أو السلعة المعلن عنها، أو الخدمة أو المنشأة المروج لها. ويترتب على ترديدها في أذهان الجمهور المستقبل أن ترتبط بمخيالهم فترة طويلة، وتنشئ الميل والولاء لديهم تجاه (ماركة) معينة دون أخرى.

>[8]

والعلامة الفارقة هي خلاصة الإنتاج والإخراج الفني للإعلان، وهي خاتمة المراحل الإخراجـية الفنية التي يطمح المعلن والمنتج ترسيخها في أذهان الجمهور المستقبل، لأن الجمهـور قد ينسى كل شيء إلا الصور والألوان والعلامة الفارقة.

وهنا وجب على الإعلاني الإسلامي العمل على مساعدة المنتجين والمتعاملين الإسلاميين، بهدف إبداع علامات فارقة إسلامية مميزة لترسخ في ذهن الجمهور المستقبل، المسلم وغيره، عن السلع والمنتجات والشركات والمؤسسات الإسلامية الساعية للنهوض الحضاري العالمي. كما يجب عليه أثناء تصميمه للإعلانات، أن تحمل تلك العلامات الفارقة مميزات وخصائص الفلسفة الإعلامية والإعلانية الإسلامية. وهذا لا يتأتى إلا بالإنتاج الوفير والجيد والنوعي من جهة، وبالإعلان القوي والمميز من جهة أخرى، القادر على منافسة ومجابهة حالة الاجتياح الاقتصادي والاجتماعي والإعلامي المستمر للجمهور [ ص: 177 ] المسلم وغير المسلم.

* خطة تنسيق الهيكل العام لمحتويات الإعلان

يقصد بخطة تنسيق الهيكل العام لمحتويات الإعلان، تلك الخطة الابتدائية المرسومة، التي يجب أن توضح كيفية توزيع العناصر الفنية المختلفة المكونة للإعلان.. وفي هذه العملية، نجد الفنان مصمم الإعلان ومخرجه يقوم بتحديد الخطوات التالية:

1- تحديد الهيكل المبدئي

يحدد المخرج الإعلاني في هذه الخطوة التخطيط الهيكلي العام للإعلان، وذلك بغرض تكويـن فكرة ابتدائيـة عـامة عن شكـله، مما يضطر الفنان المصمم إلى إعداد عدة نماذج من تلك الهياكل الابتدائية حتى يتسنى له اختيار أنسبها، ثم ينتقل بعدها لاعتماد أحدها بشكل تقريبي.

2- تحديد الهيكل التقريبي

وهي الخطوة الثانية في عملية تصميم الإعلان، تلي مرحلة التحديد الابتدائي.. وتكمن أهميتها في كونها تمثل الحالة التجريبية الأولى للإعلان، بحيث يصبح أمام الفنان المصمم فرصة إضافية لإدخال المزيد من التعديلات والتغييرات على توزيـع العناصر الفنية المختلفة في الإعلان. >[9] [ ص: 178 ]

3- تحديد الهيكل النهائي

وفي هذه الخطوة، يتم إعداد الهيكل النهائي للإعلان بعد القيام بالمقارنة بين الهياكل التقريبية المختلفة التي سبق إعدادها، واختيار إحداها، وبذلك يصبح الهيكل النهائي هو الأساس لإخراج الإعلان الفعلي.. وفي هذه الخطوة، يتم إدخال باقي العناصر من صور، وعناوين رئيسة وفرعية، وكلمات، ورسومات، وحركات، وهتافات، وغيرها، وذلك بعد أن تكون قد تحددت العناصر التي ينبغي أن يحتويها الإعلان، ثم المساحة التي يجب أن يشغلها كل عنصر ومكانه المناسب فيها.

وهي عملية فنية إخراجية، يقوم بها فنانون متخصصون، ويستحسن أن يكون الفنانون من نفس بيئة الجمهور المستقبل، الجغرافية والاجتماعية والثقافية، ويحملون نفس العادات والتقاليد والأعراف، ويؤمنون بنفس الدين، ولهم نفس الاتجاهات الجماهيرية، ليتسنى لهم وضع تصميم فني للإعلان يتلاءم مع معطيات البيئة الاجتماعية والثقافية للجمهور المستقبل.

التالي السابق


الخدمات العلمية