الغرب ودراسة الآخر (أفريقيا أنموذجًا)

علي القريشي

صفحة جزء
الثالث: العنصرية العرقية:

تشكل النزعة العرقية المرتكز الأكثر تأصلا في الثقافة الغربية، حيث تمتد جذور هـذه النزعة إلى الحضارات اليونانية والرومانية التي مايزت بين الشعوب، وقسمت الناس إلى أغريق وبرابرة، وأحرار وعبيد، ثم واصلت عنصريتها لتقسمهم إلى بيض وسود، وصفر وملونين، ولم تكتف في هـذا التمييز عند المستوى العضوي والاجتماعي، بل أسقطته على الطبيعة العقلية ومستويات التفكير والكفاءة الحضارية. والغرب يتناقل هـذا الميراث، حتى أن مصلحا « كسان سيمون » (1760م - 1825م) يحتج على رفاقه الثوريين حين يراهم يشرعون بتطبيق مبدأ المساواة على الأفارقة السود، فيقول: «لقد قام الثوريون بتطبيق مبدأ المساواة مع السود، فلو استشاروا علماء وظائف [ ص: 36 ] الجسم لكانوا تعلموا أن الأسود بسبب حاله العضوية غير قابل لشرط مساو في التربية، حتى ينشأ على نفس مستوى الذكاء لدى أوربا»



>[1] .

ثم تطور مبدأ اللامساوة الطبيعية عام 1832م على يد « شارل كونت » ومع عالم السلالات « فيكتور كورتيه دوليل » الذي طالب بتشديد الفروقات العرقية لإزالة كل مبررات المطالبة بالمساواة، وراح يدعم حججه عن التفوق الأوربي بما يستوحيه من العلماء الألمان من فكرة العرق الأسمى، كما ظهر كتاب روبرت فوكس »: «عروق الإنسان السوداء»، وإلى هـذه الأفكار أضيفت أفكار «داروينية» من الدرجة الثانية تؤكد السريان العلمي للتقسيم العرقي للشعوب وتصنيفها إلى شعوب متقدمة ومتخلفة، أو أوربية - آرية وشرقية - أفريقية



>[2] .

أما « غوبنيو Gobineau» فيرى بأن العرق الأوربي ومعه كل الحضارة مهددة بخطر الزوال تحت تأثير الاختلاط مع دم أدنى، نظرا لوجود ميل مضاد هـو «قانون الانجذاب»، وانطلاقا من ذلك روج اليمين المتطرف في فرنسا وألمانيا وغيرهما للرد على ظاهرة المهاجرين اليوم بـ «قانون التنافر» وهو ما سبق أن عمدت إليه النازية والفاشية بعد الحرب العالمية الأولى



>[3] .

من جهة أخرى كانت الأشكال المتطرفة للنظرية العنصرية المعادية للسود تتطور في الولايات المتحدة على يد أسماء أمثال « ميرتون » و « يدون » و « نوت » [ ص: 37 ] من أنصار المناهج الجديدة المتعلقة بدراسة قدرات الجمجمة والدماغ



>[4] .

وهكذا كانت هـذه النزعات العرقية والثقافة العنصرية تتسلل إلى المنهجية المعرفية الغربية، وهي تتناول (الآخر) وبخاصة في أفريقيا عبر عدد من الحقول المعرفية كعلم النفس والاجتماع والأنثروبولوجيا وغيرها، ولعل ما أنتجته من تعصب فكري وديني حال دون بذل الجهد الكافي لدراسة الطبيعة الحقيقية للإنسان المسلم في أفريقيا، الأمر الذي أدى إلى إغفال كثير من الجوانب القيمية والإيمانية التي تنطوي عليها حياته كمسلم، فضلا عن طمس العناصر المشرقة في تاريخه الإسلامي، بل محاولة إلصاق التهم واصطناع التشويه في الكثير من الموضوعات المتصلة بذلك التاريخ.

التالي السابق


الخدمات العلمية