كشاف القناع عن متن الإقناع

البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

صفحة جزء
( ويكره أن يتخطى رقاب الناس ) لما روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر رأى رجلا يتخطى رقاب الناس فقال : { اجلس فقد آذيت } ولما فيه من سوء الأدب والأذى ( إلا أن يكون إماما فلا ) يكره أن يتخطى رقاب الناس ( للحاجة ) لتعيين مكانه ، وألحق به في الغنية المؤذن ( أو يرى ) غير الإمام ( فرجة لا يصل إليها إلا به ) أي بالتخطي فلا يكره لأنهم أسقطوا حق أنفسهم بتأخرهم .

( ويحرم أن يقيم غيره فيجلس مكانه ، ولو عبده ) الكبير ( أو ولده الكبير ) لأنه ليس بمال .

وإنما هو حق ديني فاستوى فيه السيد وعبده والوالد وولده ( أو كانت عادته الصلاة فيه حتى المعلم ونحوه ) كالمفتي والمحدث ، ومن يجلس للمذاكرة في الفقه إذا جلس [ ص: 45 ] إنسان موضع حلقته حرم عليه إقامته ، لما روى عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه } متفق عليه ولكن يقول : افسحوا قاله في التلخيص ، لحديث مسلم عن جابر مرفوعا { لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة ، ثم يخالف إلى مقعده ولكن ليقل : افسحوا } ولأن المسجد بيت الله ، والناس فيه سواء ( إلا الصغير ) حرا ، كان أو عبدا ، فيؤخر لما تقدم قال في التنقيح .

( وقواعد المذهب : تقتضي عدم الصحة ) أي صحة صلاة من أخر مكلفا وجلس مكانه ، لشبهه الغاصب ( إلا من جلس بموضع يحفظه له ) أي لغيره ( بإذنه أو دونه ) لأن النائب يقوم باختياره قاله في الشرح ، ولأنه قعد فيه لحفظه له ، ولا يحصل ذلك إلا بإقامته .

لكن إن جلس في مكان الإمام أو طريق المارة أو استقبل المصلين في مكان ضيق أقيم قاله أبو المعالي .

( ويكره إيثاره ) غيره ( بمكانه الأفضل ) ويتحول إلى ما دونه ( كالصف الأول ونحوه ) وكيمين الإمام لما في ذلك من الرغبة عن المكان الأفضل وظاهره : ولو آثر به والده ونحوه و ( لا ) يكره للمؤثر ( قبوله ) المكان الأفضل ولا رده قال سندي : رأيت الإمام أحمد قام له رجل من موضعه فأبى أن يجلس فيه وقال له : ارجع إلى موضعك فرجع إليه ( فلو آثر ) الجالس بمكان أفضل ( زيدا فسبقه إليه عمرو حرم ) على عمرو سبقه إليه لأنه قام مقامه أشبه ما لو تحجر مواتا ، ثم آثر به غيره وهذا بخلاف ما لو وسع لرجل في طريق فمر غيره ، لأنها جعلت للمرور فيها والمسجد جعل للإقامة فيه .

( وإن وجد مصلى مفروشا فليس له رفعه ) لأنه كالنائب عنه ، ولما فيه من الافتيات على صاحبه والتصرف في ملكه بغير إذنه والإفضاء إلى الخصومة ، وقاسه في الشرح على رحبة المسجد ، ومقاعد الأسواق ( ما لم تحضر الصلاة ) فله رفعه والصلاة مكانه لأنه لا حرمة له بنفسه .

وإنما الحرمة لربه ولم يحضر ، ( ولا الجلوس ولا الصلاة عليه ) وقدم في الرعاية يكره ، وجزم جماعة بتحريمه قال في شرح المنتهى : وليس له أن يدعه مفروشا ويصلي عليه فإن فعل فقال في الفروع ، في باب ستر العورة لو صلى على أرضه أو مصلاه بلا غصب ، صح النهي وتقدم هناك : جاز وصحت ولعل ما هناك إذا كان حاضرا ، أو صلى معه على مصلاه فلا يعارضه ما هنا لغيبته ، وفيه شيء قال في الفروع : ويتوجه إن حرم رفعه أي المصلى ( فله فرشه ) وإلا كره [ ص: 46 ] ( ومنع منه ) أي الفرش ( الشيخ ، لتحجره مكانا من المسجد ) كحفره في التربة المسبلة قبل الحاجة إليه .

( ومن قام من موضعه ) من المسجد ( لعارض لحقه ثم عاد إليه قريبا فهو أحق به ) .

لما روى مسلم عن أبي أيوب مرفوعا { من قام من مجلسه ، ثم رجع إليه فهو أحق به } وقيده في الوجيز بما إذا عاد ولم يتشاغل بغيره ( ما لم يكن صبيا قام في صف فاضل أو في وسط الصف ) ثم قام لعارض ثم عاد ، فيؤخر كما لو لم يقم منه بالأولى ( فإن لم يصل ) العائد ( إليه ) أي إلى مكانه قريبا بعد قيامه منه لعارض ( إلا بالتخطي ، جاز ) له التخطي ( كالفرجة ) أي كمن رأى فرجة لا يصل إليها إلا به ذكره في الشرح وابن تميم .

التالي السابق


الخدمات العلمية