كشاف القناع عن متن الإقناع

البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

صفحة جزء
فصل ( ثم يمسح جميع ظاهر رأسه ) من منابت الشعر المعتاد غالبا على ما تقدم في الوجه إلى قفاه لأنه تعالى أمر بمسح الرأس وبمسح الوجه في التيمم وهو يجب الاستيعاب فيه فكذا هنا إذ لا فرق ، ولأنه مسح جميعه ، وفعله وقع بيانا للآية ، والباء للإلصاق ، أي إلصاق الفعل بالمفعول فكأنه قال ألصقوا المسح برءوسكم ، أي المسح بالماء ، وهذا بخلاف ما لو قيل امسحوا رءوسكم ، فإنه لا يدل على أنه ثم شيء يلصق ، كما يقال : مسحت رأس اليتيم .

وأما دعوى أن الباء إذا وليت فعلا متعديا أفادت التبعيض في مجرورها لغة فغير مسلم دفعا للاشتراك ولإنكار الأئمة قال أبو بكر سألت ابن دريد وابن عرفة عن الباء : تبعض ؟ فقالا : لا نعرفه في اللغة وقال ابن برهان : من زعم أن الباء تبعض ، فقد جاء عن أهل العربية بما لا يعرفونه .

وقوله { يشرب بها عباد الله } وقول الشاعر

شربن بماء البحر

فمن باب التضمين كأنه قيل يروى وما روي { أنه صلى الله عليه وسلم مسح مقدم رأسه } فمحمول على أن ذلك مع العمامة ، كما جاء مفسرا في حديث المغيرة بن شعبة ونحن نقول به والرأس ( من حد الوجه ) أي من منابت شعر الرأس المعتاد ( إلى ما يسمى [ ص: 99 ] قفا ) ويكون مسح رأس ( بماء جديد غير ما فضل عن ذراعيه ) ; لأن الرأس مغاير لليدين ( وكيفما مسحه ) أي الرأس ( أجزأه ) لحصول المأمور به ( ولو ) مسحه ( بأصبع وخرقة أو خشبة أو نحوها ) كحجر .

وظاهر كلام الجمهور : أنه يتعين استيعاب ظاهره كله ( وعفا بعضهم ) وهو صاحب المبهج والمترجم ( عن ترك يسير منه للمشقة ) قال في الإنصاف : وهو الصواب انتهى وقال الموفق : والظاهر عن أحمد في الرجل وجوب الاستيعاب ، وأن المرأة يجزيها مسح مقدم رأسها ، قال الخلال : العمل عليه في مذهب أبي عبد الله أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها ; لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها ذكره في الشرح . ( والمسنون في مسحه ) أي الرأس ( أن يبدأ بيديه مبلولتين من مقدم رأسه ، فيضع طرف إحدى سبابتيه على طرف الأخرى ، ويضع الإبهامين على الصدغين ، ثم يمرهما إلى قفاه ، ثم يردهما إلى مقدمه ) قاله في المغني والشرح لما روى عبد الله بن زيد في وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال { فمسح رأسه بيديه ، فأقبل بهما وأدبر ، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه } متفق عليه ( ولو خاف أن ينتشر شعره ) قال في الإنصاف : هذا المذهب مطلقا ، وعليه الأصحاب وعنه لا يردهما إن انتشر شعره انتهى وجزم بالثانية في الشرح والمبدع ، رجلا كان أو امرأة ( بماء واحد ) فلا يأخذ للرد ماء آخر لعدم وروده .

( ولو وضع يده مبلولة على رأسه ولم يمرها عليه ) لم يجزئه ( أو وضع عليه ) أي على رأسه ( خرقة مبلولة ) ولم يمرها عليه ( أو بلها ) أي الخرقة ( وهي عليه ) أي على رأسه ( ولم يمسح لم يجزئه ) ذلك لعدم المسح المأمور به ( ويجزئه غسله ) أي الرأس ( مع الكراهة ) ذكره ابن رجب ( بدلا عن مسحه إن أمر يده ) لوجوب المسح ، فإن لم يمر يده لم يجزئه ، ما لم يكن جنبا وينغمس في ماء ناويا الطهارتين ، كما يعلم مما يأتي في الغسل .

( وكذا إن أصابه ) أي الرأس ( ماء وأمر يده ) عليه ، لوجود المسح ، فإن لم يمر يده لم يجزئه ( ولا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر ) لعدم مشاركته الرأس في الترؤس ( ولا يجزئ مسحه عن الرأس ، سواء رده فعقده فوق رأسه أو لم يرده ) كما تقدم ( وإن نزل الشعر عن منبته ولم ينزل عن محل الفرض ، فمسح عليه ، أجزأه ولو كان الذي تحت النازل محلوقا ) كما لو كان بعض شعره فوق بعضه .

( وإن خضبه ) أي رأسه ( بما يستره لم يجز المسح عليه ) كما لو مسح على خرقة فوق رأسه ، وتقدم أن شرط الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء ( ولو [ ص: 100 ] مسح رأسه ثم حلقه ) لم يؤثر ( أو غسل عضوا ثم قطع منه جزءا أو جلدة لم يؤثر ، لأنه ليس ببدل عما تحته ) بخلاف الجبيرة والخف ولكن رأيت عن ابن رجب استحب أحمد أنه إذا حلق رأسه أو قلم أظفاره ، أو قص شاربه بعد الوضوء أن يمسه بالماء ولم يوجبه وحكي وجوبه عن ابن جرير الطبري ومن أوجبه ألحقه بخلع الخف بعد مسحه .

( وإن تطهر بعد ذلك ) أي بعد حلق رأسه أو قطع جزء أو جلدة من عضو ( غسل ) أو مسح ( ما ظهر ) لأن الحكم صار له دون الذاهب ( وإن حصل في بعض أعضائه شق أو ثقب لزم غسله ) في الطهارتين لأنه صار في حكم الظاهر ، فينبغي التيقظ لثقب الأذن في الغسل وأما في الوضوء فلا يجب مسحه ، كالمستتر بالشعر ، ولما فيه من الحرج ( والواجب مسح ظاهر شعر الرأس كما تقدم ، فلو أدخل يده تحت الشعر فمسح البشرة فقط ) أي دون ظاهر الشعر ( لم يجزئه ، كما لو اقتصر على غسل باطن شعر اللحية ) ولم يغسل ظاهرها .

( وإن فقد شعره مسح بشرته ) لأنها ظاهر رأسه بالنسبة إليه ( وإن فقد بعضه ) أي بعض شعر الرأس ( مسحهما ) أي مسح ما بقي من الشعر وبشرة ما فقد من شعره وتقدم حكم ما لو نزل شعر ما لم يحلق على ما حلق وأنه يجزئه المسح على ظاهره .

التالي السابق


الخدمات العلمية