كشاف القناع عن متن الإقناع

البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

صفحة جزء
( ومن أمكنه السعي إليه ) أي : إلى الحج والعمرة ( لزمه ) السعي إليه ; لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وكالسعي إلى الجمعة ( إذا كان في وقت المسير ) أي مسير أهل بلده إلى الحج على العادة فلو أمكنه أن يسير سيرا مجاوزا للعادة لم يلزمه ( ووجد طريقا آمنا ) ; ; لأن في اللزوم بدونه ضررا وهو منتف شرعا ، وسواء كان بعيدا أو قريبا ، ( ولو غير الطريق المعتاد بحيث يمكن سلوكه بحسب ما جرت به العادة برا كان ) الطريق ( أوبحرا الغالب فيه ) أي : البحر ( السلامة ) لحديث عبد الله بن عمرو { لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله } رواه أبو داود وفيه مقال .

ولأنه يجوز سلوكه بأموال اليتامى أشبه البر ، ( وإن غلب الهلاك لم يلزمه سلوكه ) ذكره المجد إجماعا في البحر ، ( وإن سلم فيه قوم وهلك قوم ولا غالب ) منهما بل استويا ( لم يلزمه ) سلوكه قال الشيخ : أعان على نفسه فلا يكون شهيدا .

( وقال القاضي : يلزمه ) سلوكه ( ويشترط أن لا يكون في الطريق خفارة ) بتثليث الخاء : جعل الخفير يقال خفرت الرجل حميته وأجرته من مطالبيه فأنا خفير قاله في حاشيته ، ( فإن كانت ) الخفارة ( يسيرة لزمه قاله الموفق والمجد ) ; لأنه ضرر يسير فاحتمل [ ص: 392 ] ( وزاد ) أي : المجد : ( إذا أمن ) باذل الخفارة ( الغدر من المبذول له ) قال في الإنصاف : ( ولعله مراد من أطلق ) بل يتعين .

( قال حفيده ) أي حفيد المجد وهو الشيخ تقي الدين : ( الخفارة تجوز عند الحاجة إليها في الدفع عن المخفر ولا تجوز مع عدمها ) أي : عدم الحاجة إليها كما يأخذه السلطان من الرعايا .

وقال الجمهور : لا يلزمه الحج مع الخفارة وإن كانت يسيرة ذكره في المبدع وهو ظاهر المنتهى ; لأنها رشوة فلم يلزم بذلها في العبادة ( ويشترط أن يوجد فيه ) أي : الطريق ( الماء والعلف على المعتاد ) بأن يجده في المناهل التي ينزلها ( فلا يلزمه حمل ذلك لكل سفرة ) ; لأنه يؤدي إلى مشقة عظيمة بل يتعذر بخلاف ذات نفسه ، فإنه يمكنه حمله فعلى هذا يجب حمل الماء من منهل إلى منهل والكلأ من موضع إلى موضع ( فسعة الوقت هي وإمكان المسير بأن تكمل الشرائط فيه ، وفي الوقت سعة ) بحيث ( يتمكن من المسير لأدائه ) أي : الحج أي : بحيث يمكنه تحصيل ما يحتاج إليه ، ولا يفوته الرفقة .

( وأمن الطريق بأن لا يكون فيه ) أي الطريق ( مانع من خوف ولا غيره من شرائط الوجوب ) أي : وجوب الحج ( كقائد الأعمى ودليل البصير الذي يجهل الطريق ) ، فمن عدم ذلك غير مستطيع لتعذر فعل الحج معه كعدم الزاد والراحلة .

( ويلزمه ) أي : الأعمى والجاهل بالطريق ( أجرة مثله ) أي القائد والدليل ; لأنه مما يتم به الواجب ، ( ولو تبرع ) القائد والدليل ( لم يلزمه ) أي : الأعمى والجاهل ( للمنة وعنه ) أي : الإمام أحمد أن سعة الوقت وأمن الطريق وقائد الأعمى ودليل الجاهل ( من شرائط لزوم الأداء اختاره الأكثر ) ; لأنه صلى الله عليه وسلم فسر السبيل بالزاد والراحلة ; ولأن إمكان الأداء ليس شرطا في وجوب العبادة بدليل ما لو زال المانع ولم يبق من وقت الصلاة ما يمكن الأداء فيه ، وكما تقدم في الزكاة ولأنه يتعذر الأداء دون القضاء كالمرض المرجو برؤه ، وعدم الزاد والراحلة يتعذر معه الجميع فعلى هذا ( يأثم إن لم يعزم على الفعل ) أي : الحج إذا اتسع الوقت وأمنت الطريق ووجد القائد والدليل ( كما نقول في طريان الحيض ) بعد دخول الوقت فإن الحائض تأثم إن لم تعزم على القضاء إذا زال ، ( فالعزم في العبادات مع العجز ) عنها ( يقوم مقام الأداء في عدم الإثم ) حال العجز لحديث { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } .

( فإن مات ) من وجد الزاد والراحلة ( قبل وجود هذين الشرطين ) أي : سعة الوقت وأمن الطريق [ ص: 393 ] ( أخرج عنه من ماله من ينوب عنه ) على القول ( الثاني ) لموته بعد وجوبه عليه ( دون ) القول ( الأول ) لعدم وجوبه عليه ( ويأتي ) ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية