كشاف القناع عن متن الإقناع

البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

صفحة جزء
فصل ( وجملة سنن الوضوء استقبال القبلة والسواك ) عند المضمضة وتقدم دليله ( وغسل الكفين ثلاثا لغير قائم من نوم ليل ) ناقض لوضوء ، ويجب ذلك ، وتقدم مستوفى ( والبداءة قبل غسل الوجه بالمضمضة ، ثم الاستنشاق ) وكونهما بيمينه ، كما تقدم بدليله وعدم الفصل بينهما ( والمبالغة فيهما ) أي : في المضمضة والاستنشاق ( لغير صائم ) وتكره له ، وتقدم ( و ) المبالغة ( في سائر الأعضاء لصائم وغيره والاستنثار ) وكونه بيساره .

قال في الآداب الكبرى : ويكره لكل أحد أن ينتثر وينقي أنفه ووسخه ودرنه ويخلع نعله ونحو ذلك بيمينه مع القدرة على ذلك بيساره ، مطلقا ، [ ص: 106 ] وتناول الشيء من يد غيره باليمين ، ذكره ابن عقيل من المستحبات للخبر ولا يكره بيساره ، ذكره القاضي والشيخ عبد القادر ، وقال وإذا أراد أن يناول إنسانا توقيعا أو كتابا فليقصد يمينه .

( و ) من سنن الوضوء ( تخليل أصابع اليدين والرجلين ) وتقدم دليله وكيفيته ( وتخليل الشعور ) أي : شعور اللحية ( الكثيفة في الوجه ، والتيامن حتى بين الكفين للقائم من نوم الليل ، وبين الأذنين ، قاله الزركشي .

وقال الأزجي : يمسحهما معا ، ومسحهما ) أي : الأذنين ( بعد الرأس بماء جديد ، ومجاوزة موضع الفرض ، والغسلة الثانية والثالثة ) .

وقال القاضي وغيره : الأولى فريضة والثانية فضيلة والثالثة سنة ، وقدمه ابن عبيدان ، قال في المستوعب : .

وإذا قيل لك : أي موضع تقدم فيه الفضيلة على السنة فقل : هنا ( وتقدم النية على مسنوناته ) إذا وجدت قبل الواجب كما تقدم ( واستصحاب ذكرها ) أي : النية ( إلى آخره ) أي : آخر الوضوء ( وغسل باطن الشعور الكثيفة ) في الوجه ، غير اللحية فيخللها فقط ، جمعا بينه وبين ما تقدم ( وأن يزيد في ماء الوجه ) كما تقدم ( وقول ما ورد بعد الوضوء ، ويأتي ) آخر الباب .

( وأن يتولى وضوءه بنفسه من غير معاونة ) لحديث ابن عباس { كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يكل طهوره إلى أحد ولا صدقته التي يتصدق بها إلى أحد يكون هو الذي يتولاها بنفسه } رواه ابن ماجه ( وتباح معاونة المتطهر ) متوضئا كان أو مغتسلا ( كتقريب ماء الغسل ، أو ) ماء ( الوضوء إليه أو صبه عليه ) ; لأن المغيرة بن شعبة { أفرغ على النبي صلى الله عليه وسلم من وضوئه } رواه مسلم .

وعن صفوان بن عسال قال { صببت على النبي صلى الله عليه وسلم الماء في الحضر والسفر في الوضوء } رواه ابن ماجه .

( و ) يباح للمتطهر ( تنشيف أعضائه ) لما روى سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم { توضأ ثم قلب جبة كانت عليه فمسح بها وجهه } رواه ابن ماجه والطبراني في المعجم الصغير ( وتركهما ) أي : ترك المعين والتنشيف ( أفضل ) من فعلهما ، أما ترك المعين فلحديث ابن عباس السابق ، وأما ترك التنشيف فلحديث ميمونة { أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل ، قالت : فأتيته بالمنديل فلم يردها ، وجعل ينفض الماء بيديه } متفق عليه .

وترك النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على الكراهة ، فإنه قد يترك المباح وأيضا هذه قضية في عين يحتمل أنه ترك المنديل لأمر يختص بها قال ابن عباس كانوا لا يرون بالمنديل بأسا ولكن كانوا يكرهون العادة ولأنه إزالة [ ص: 107 ] للماء عن بدنه ، أشبه نفض يديه .

( ويستحب كون المعين عن يساره ) ليسهل تناول الماء عند الصب ( كإناء وضوئه الضيق الرأس ) ليصب بيساره على يمينه ( وإن كان ) إناء وضوئه ( واسعا يغترف منه باليد ، فعن يمينه ) ليغترف منه بها .

( ولو وضأه ) أو غسل له بدنه من نحو جنابة ( أو يممه مسلم أو كتابي ) أو غيره ( بإذنه ) أي : بإذن المفعول به قلت وكذا تمكينه من ذلك ، بأن ناوله أعضاءه من غير قول ( بأن غسل له الأعضاء ، أو يممها من غير عذر كره ، وصح ) وضوءه وغسله وتيممه لوجود الغسل والمسح ، وإنما كره لعدم الحاجة إليه وخروجا من خلاف من قال بعدم الصحة ( وينويه المتوضئ ) والمغتسل ( والمتيمم ) ; لأنه المخاطب وإنما لكل امرئ ما نوى فإن لم ينوه لم يصح ، ولو نواه الفاعل .

( فإن أكره من يصب عليه الماء ) لم يصح وضوءه ، قدمه في الرعاية ، وقيل : يصح انتهى قلت والثاني أظهر ; لأن النهي يعود لخارج ; لأن صب الماء ليس من شرط الطهارة ( أو ) أكره من ( يوضئه على وضوئه لم يصح ) وكذا لو أكره من يغسله أو ييممه ، وكذا قال في المنتهى لا إن أكره فاعل ( وإن أكره المتوضئ على الوضوء أو ) أكره إنسان ( على غيره ) أي : غير الوضوء ( من العبادات ) كالغسل والصلاة والصيام والزكاة والحج ( وفعلها ) المكره ( لداعي الشرع ) بأن نوى بها التقرب إليه تعالى ( لا لداعي الإكراه صحت ) لوجود النية المعتبرة ( وإلا ) أي : وإن فعلها لداعي الإكراه ( فلا ) تصح لعدم وجود النية المعتبرة .

( ويكره نفض الماء ) على الصحيح من المذهب اختاره ابن عقيل قاله في الإنصاف .

وقال في الشرح : ولا يكره نفض الماء بيديه عن بدنه لحديث ميمونة ويكره نفض يده ذكره أبو الخطاب وابن عقيل ا هـ .

وقال في غاية المطلب هل يباح نفض يده أو يكره ؟ وجهان ، الأصح لا يكره ا هـ .

وقال في الفروع : وعنه يكرهان ، أي : المعاونة والتنشيف ، كنفض يده لخبر أبي هريرة { إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشيطان } رواه المعمري وغيره من رواية البحتري بن عبيد وهو متروك ، واختار صاحب المغني والمحرر وغيرهما لا يكره ، وهو أظهر وفاقا للأئمة الثلاثة .

( و ) تكره ( إراقة ماء الوضوء و ) ماء ( الغسل في المسجد أو في مكان يداس فيه كالطريق تنزيها للماء ) ; لأنه أثر عبادة ( ويباح الوضوء والغسل في المسجد إذا لم يؤذ به أحدا ولم يؤذ المسجد ) ; لأن المنفصل منه طاهر ( ويحرم فيه الاستنجاء والريح ) والبول ، ولو بقارورة ; لأن هواء المسجد [ ص: 108 ] كقراره ( وتكره إراقة ماء غمس فيه يده قائم من نوم ليل فيه ) أي : في المسجد خصوصا على القول بأن غسلهما معلل بوهم النجاسة .

( قال الشيخ ولا يغسل فيه ميت ) ; لأنه مظنة تنجيسه بما يخرج من جوفه وصون المسجد عن النجاسات واجب ( وقال يجوز عمل مكان فيه للوضوء للمصلحة بلا محذور ) كقرب جدار أو بحيث يؤذي المصلين ، فيمنع منه إذن .

وقال في الفتاوى المصرية : إذا كان في المسجد بركة يغلق عليها باب المسجد لكن يمشى حولها دون أن يصلى حولها ، هل يحرم البول عندها والاستنجاء بالماء بغير الاستجمار بالحجر خارج المسجد الجواب : هذا يشبه البول في المسجد في القارورة قال والأشبه أن هذا إذا فعل للحاجة فقريب ، وأما اتخاذ ذلك مبالا أو مستنجى فلا .

( ولا يكره طهره من إناء نحاس ونحوه ) كحديد ورصاص لما تقدم في باب الآنية أنه عليه السلام توضأ من تور نحاس ( ولا ) يكره طهره ( من إناء بعضه نجس ) بحيث يأمن التلويث ( ولا ) يكره طهره من ( ماء بات مكشوفا ومن مغطى أولى ) قال في الفصول : ومن مغطى أفضل ، واحتج بنزول الوباء فيه وأنه لا يعلم هل يختص الشرب أو يعم ؟ يشير بذلك إلى حديث مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { غطوا الإناء وأوكوا السقاء ، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء ولا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء } .

( ويسن عقب فراغه من الوضوء رفع بصره إلى السماء وقول { أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين } ) لحديث عمر يرفعه قال { ما منكم من أحد يتوضأ فيهلغ ، أو فيسبغ الوضوء ، ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها شاء } رواه مسلم ورواه الترمذي وزاد فيه { اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين } ورواه أحمد وأبو داود .

وفي بعض رواياته { فأحسن الوضوء ثم رفع نظره إلى السماء } وساق الحديث { سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك } لخبر أبي سعيد الخدري مرفوعا قال { من توضأ ففرغ من وضوئه فقال : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك طبع الله عليها بطابع ثم رفعت تحت العرش ، فلم تكسر [ ص: 109 ] إلى يوم القيامة } رواه النسائي .

قال السامري : ويقرأ سورة القدر ثلاثا والحكمة في ختم الوضوء والصلاة وغيرهما بالاستغفار ، كما أشار إليه ابن رجب في تفسير سورة النصر : أن العباد مقصرون عن القيام بحقوق الله كما ينبغي وعن أدائها على الوجه اللائق بجلاله وعظمته ، وإنما يؤدونها على قدر ما يطيقونه ، فالعارف يعرف أن قدر الحق أعلى وأجل من ذلك ، فهو يستحي من عمله ويستغفر من تقصيره فيه كما يستغفر غيره من ذنوبه وغفلاته ، قال والاستغفار يرد مجردا ومقرونا بالتوبة ، فإن ورد مجردا دخل فيه طلب وقاية شر الذنب الماضي بالدعاء والندم عليه ، ووقاية شر الذنب المتوقع بالعزم على الإقلاع عنه وهذا الاستغفار الذي يمنع الإصرار والعقوبة وإن ورد مقرونا بالتوبة اختص بالنوع الأول ، فإن لم يصحبه الندم على الذنب الماضي بل كان سؤالا مجردا فهو دعاء محض وإن صحبه ندم فهو توبة والعزم على الإقلاع من تمام التوبة ( وكذا ) يقول ذلك ( بعد الغسل قاله في الفائق ) قال في الفروع : ويتوجه ذلك بعد الغسل ولم يذكروه .

التالي السابق


الخدمات العلمية