كشاف القناع عن متن الإقناع

البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

صفحة جزء
( ومن أخذ من دار الحرب ولو بلا حاجة ) إلى المأخوذ ( ولا إذن ) الأمير ( طعاما مما يقتات أو يصلح به القوت من الأدم أو غيره ، ولو سكرا أو معاجين وعقاقير ونحوه ، أو علفا فله أكله وإطعام سبي اشتراه ، وعلف دابته ، ولو كانا ) أي : السبي والدابة ( لتجارة ) لقول ابن عمر " كنا نصيب في مغازينا العسل ، والعنب ، فنأكله ولا نرفعه " رواه البخاري .

وعنه { أن جيشا غنموا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما وعسلا فلم يأخذ منهم الخمس } رواه أبو داود ; ولأن الحاجة تدعو إليه إذ الحمل فيه مشقة فأبيح توسعة على الناس ( ما لم يحرز ) ما تقدم من الطعام والعلف ( أو يوكل الإمام من يحفظه ، فلا يجوز إذن ) [ ص: 74 ] أن يأكله أو يعلفه دابته ( إلا لضرورة ) نص عليه ; لأنه صار غنيمة للمسلمين ، وثم ملكهم عليه .

( ولا يطعم منه ) أي : من الطعام ، وإن لم يحرز ( فهدا ، و ) لا ( كلبا ، و ) لا ( جارحا فإن فعل ) أي : أطعم ذلك ( غرم قيمته ) ; لأن هذا يرد للتفرج ، ولا حاجة إليه في الغزو ( ولا يبيعه ) أي : الطعام والعلف ; لأنه لم ينقل لعدم الحاجة إليه بخلاف الأكل ( فإن ) كان ( باعه رد ثمنه في المغنم ) لما روى سعيد " أن صاحب جيش الشام كتب إلى عمر إنا أصبنا أرضا كثيرة الطعام والغلة ، وكرهت أن أتقدم في شيء من ذلك فكتب إليه دع الناس يعلفون ، ويأكلون ، فمن باع منهم شيئا بذهب أو فضة ففيه خمس الله وسهام المسلمين " قال في المبدع : وظاهره أن البيع صحيح ; لأن المنع منه إنما كان لأجل حق الغانمين ، وفي رد الثمن تحصيل لذلك ; ولأن له فيه حقا ، فصح بيعه كما لو تحجر مواتا .

وفرق القاضي والمؤلف أي : الموفق في الكافي : إن باعه لغير غاز ، فهو باطل كبيعه الغنيمة بغير إذن ، فيرد المبيع إن كان باقيا أو قيمته أو ثمنه إن كان تالفا ، وإن باعه لغاز ، فلا يخلو إما أن يبيعه بما يباح له الانتفاع به أو بغيره فإن كان الأول فليس بيعا في الحقيقة ، إنما دفع إليه مباحا ، وأخذ مثله ، ويبقى أحق به لثبوت يده عليه فعلى هذا لو باع صاعا بصاعين ، وافترقا قبل القبض ، جاز إذ لا بيع وإن أقرضه إياه فهو أحق به ، فإن وفاه أو رد إليه عادت يده كما كانت ، وإن كان الثاني فليس بصحيح ، ويصير المشتري أحق به ، لثبوت يده عليه ، ولا ثمن عليه ، ويتعين رده إليه ( والدهن المأكول كسائر الطعام ) ; لأنه طعام أشبه البر ( وله دهن بدنه ودابته منه ) لحاجة ، ونقل أبو داود دهنه بزيت للتزين لا يعجبني ( و ) له دهن بدنه ودابته ( من دهن غير مأكول ) ظاهره : ولو نجسا ولعله غير مراد وتقدم ما فيه في أول الجنائز .

( و ) له ( أكل ما يتداوى به ، وشرب جلاب ، وسكنجبين ، ونحوهما لحاجة ) ; لأنه في معنى الطعام ( ولا يغسل ثوبه بالصابون ) ; لأنه ليس بطعام ، فإن فعل رد قيمته في المغنم ( ولا يركب دابة من دواب المغنم ) لما روى رويفع بن ثابت الأنصاري مرفوعا { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يركب دابة من فيء المسلمين ، حتى إذا أعجفها ردها ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده } رواه سعيد .

; ولأنها تتعرض للعطب غالبا وقيمتها كثيرة [ ص: 75 ] بخلاف السلاح ( ولا يتخذ النعل والجرب ) جمع جراب ( من جلودهم ، ولا الخيوط ، والحبال ) بل ترد على المغنم كسائر أموالهم ( وكتبهم المنتفع بها ك ) كتب ( الطب واللغة والشعر ونحوها ) كالحساب والهندسة ( غنيمة ) لاشتمالها على نفع مباح ( وإن كانت ) كتبهم ( مما لا ينتفع به ، ككتب التوراة والإنجيل ، وأمكن الانتفاع بجلودها أو ورقها بعد غسله غسل ) إزالة لما فيه من التغيير والتبديل ( وهو غنيمة ) كسائر ما ينتفع به ( وإلا ) أي : وإن لم يمكن الانتفاع بها بعد غسلها ( فلا ) تكون غنيمة بل يتلفها ( ولا يجوز بيعها ) ، ولو لإتلافها ككتب الزندقة ونحوها .

التالي السابق


الخدمات العلمية