كشاف القناع عن متن الإقناع

البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

صفحة جزء
( ولا ) تصح ( المزابنة ) لقول ابن عمر { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزابنة } متفق عليه ( وهي ) أي المزابنة ( بيع الرطب في رءوس النخل بالتمر ) والزبن لغة الدفع الشديد ومنه وصفت الحرب بالزبون ، لشدة الدفع فيها وسمي الشرطي زبنيا ، لأنه يدفع الناس بشدة وعنف ، ( إلا في العرايا التي رخص فيها ) أي رخص فيها صلى الله عليه وسلم رواه أبو هريرة وزيد بن ثابت وسهل بن أبي حثمة متفق عليه .

( وهي ) أي العرايا جمع عرية قال الجوهري : العرية النخلة يعريها رجلا محتاجا فيجعل ثمرتها طعاما ، فعيلة بمعنى مفعولة وقال أبو عبيد : هي اسم لكل ما أفرد عن جملة سواء كان للهبة أو البيع أو الأكل وقيل : سميت به لأنها معرية من البيع المحرم أي مخرجة منه ( بيع الرطب في رءوس النخل ) لأن الرخصة وردت في بيعه على أصوله للأخذ شيئا فشيئا لحاجة التفكه روي عن محمود بن لبيد قال { قلت لزيد : ما عراياكم هذه ؟ فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يتبايعون به رطبا ، وعندهم فضول من التمر فرخص لهم أن يتبايعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونه رطبا } متفق عليه .

( خرصا بمآله ) أي بما يئول إليه الرطب ( يابسا ) لا أقل ولا أكثر لأن الشارع أقام الخرص مقام الكيل ولا يعدل عنه كما لا يعدل عن الكيل فيما يشترط فيه الكيل [ ص: 259 ] ( بمثله من التمر ) فلا يجوز بيعها بخرصها رطبا ، ولا بزيادة عن خرصها أو أنقص منه ( كيلا ) أي يكون التمر المشترى به كيلا ( معلوما لا جزافا ) لقوله في الحديث { رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا } ولأن الأصل اعتبار الكيل من الجانبين سقط في أحدهما وأقيم الخرص مقامه للحاجة فيبقى الآخر على مقتضى الأصل ( فيما دون خمسة أوسق ) لقول أبي هريرة { إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو خمسة أوسق } متفق عليه شك داود بن الحصين أحد رواته فلا يجوز في الخمسة لوقوع الشك فيها ( لمن به حاجة إلى أكل الرطب ) لما تقدم من الحديث وما جاز للحاجة لا يجوز عند عدمها كالزكاة للمساكين ( ولا نقد معه ) أي مع المشتري لما تقدم في حديث زيد .

( فيصح ) بيع العرايا بهذه الشروط ( ولو كان ثمر النخل ) أي الرطب الذي على رءوس النخل ( غير موهوب لبائعه ) أي لا يشترط في العرية أن تكون موهوبة لبائعها خلافا للخرقي وصاحب التلخيص ( فإن كان ) الرطب في العرية .

وفي نسخ : فإن كانت أي العرية ( خمسة أوسق فأكثر بطل ) البيع ( في الجميع ) لما تقدم من حديث أبي هريرة ( ويشترط فيها ) أي في العرايا ( حلول وقبض من الطرفين في مجلس بيعها ف ) القبض في ( نخل بتخليته ) أي تخلية البائع بين المشتري وبينه ( و ) القبض ( في تمر بكيله ) لما تقدم .

( ولو أسلم أحدهما ) ما عليه ( ثم مشيا معا إلى الآخر فتسلمه ، صح ) البيع ، لعدم التفرق قبل القبض .

( ولو باع رجل عارية من رجلين فأكثر فيها ) أي في معرية ( أكثر من خمسة أوسق جاز ) البيع حيث كان ما أخذه كل واحد دون خمسة أوسق ( فلا ينفذ ) البيع ( في حق البائع بخمسة أوسق ) بل ينفذ في حق المشتري .

( وإن اشترى ) إنسان ( عريتين فأكثر من رجلين فأكثر ، وفيهما أقل من خمسة أوسق جاز ) البيع لوجود شرطه وإن كان فيهما خمسة أوسق فأكثر لم يجز .

( ولا يجوز بيع العرية لغني ) معه نقد يشتري به لمفهوم ما تقدم ( ولو باعها ) أي العرية ( لواهبها تحرزا من دخول صاحب العرية ، أو ) من دخول ( غيره لا لحاجة الأكل ) لم يجز لما سبق ( أو اشتراها ) أي العرية ( ب ) مثل ( خرصها رطبا لم يجز ) لما سبق ( ولو احتاج ) إنسان ( إلى أكل التمر ولا ثمن معه إلا الرطب لم يبعه به ) أي التمر ( فلا تعتبر حاجة البائع ) لأن الرخصة لا يقاس عليها .

وقال أبو بكر والمجد : بجوازه وهو بطريق التنبيه ، لأنه إذا جاز مخالفة الأصل لحاجة [ ص: 260 ] التفكه فلحاجة الاقتيات أولى والقياس على الرخصة جائز إذا فهمت العلة .

( ولا يباع الرطب الذي على الأرض بتمر ) للنهي عنه كما سبق ( ولا تصح في سائر الثمار ) اقتصارا على مورد النص ، وغيرها لا يساويها في الحاجة .

وفي الترمذي من حديث رافع وسهل مرفوعا { أنه نهى عن المزابنة التمر بالتمر إلا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم وعن بيع العنب بالزبيب } .

التالي السابق


الخدمات العلمية