كشاف القناع عن متن الإقناع

البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

صفحة جزء
( ومن شرط الجماعة : أن ينوي الإمام والمأموم حالهما ) بأن ينوي الإمام : الإمامة وينوي المأموم الائتمام ( فرضا ونفلا ) لقوله صلى الله عليه وسلم { وإنما لكل امرئ ما نوى } ( فينوي الإمام : أنه مقتدى به ، وينوي المأموم : أنه مقتد ) كالجمعة ، لأن الجماعة تتعلق بها أحكام وجوب الاتباع وسقوط السهو عن المأموم وفساد صلاته بفساد صلاة إمامه وإنما يتميز الإمام عن المأموم بالنية فكانت شرطا لصحة انعقاد الجماعة .

( فلو نوى أحدهما دون صاحبه ) بأن نوى الإمام دون المأموم أو بالعكس ( أو نوى كل واحد منهما أنه إمام الآخر أو ) أنه ( مأمومه ) لم يصح لهما لأنه أم من لم يأتم به ، أو ائتم بمن ليس إماما ( أو نوى إمامة من لا يصح أن يؤمه كأمي ) نوى أن يؤم قارئا ( أو ) ( كامرأة ) نوت أن ( تؤم رجلا ونحوه ) كعاجز عن شرط الصلاة ، نوى أن يؤم قادرا عليه ، لم تصح صلاتهما لأن كلا من الإمامة والائتمام فاسدان ( أو نوى الائتمام بأحد الإمامين لا بعينه ) لم [ ص: 319 ] تصح صلاته لعدم تعيينه ( أو ) نوى الائتمام ( بهما ) أي بالإمامين ، لم تصح صلاته .

لأنه لا يمكنه الاقتداء بهما ( أو ) نوى الائتمام ( بالمأموم ، أو ) ب ( المنفرد ) لم تصح صلاته لأنه ائتم بغير إمام ( أو شك في الصلاة ، أنه إمام أو مأموم ) لم تصح صلاته ( لعدم الجزم بالنية ) أي : نية الإمامة أو الائتمام ( أو أحرم بحاضر ، فانصرف ) الحاضر ( قبل إحرامه ) معه ، ولم يعد ، ولم يدخل غيره معه قبل رفعه من ركوعه ، لم تصح صلاته لأنه نوى الإمامة بمن لم يأتم به ( أو عين إماما ) بأن نوى أنه يصلي خلف زيد فأخطأ لم تصح صلاته ( أو ) عين ( مأموما وقلنا : لا يجب تعيينهما ) أي : الإمام والمأموم ( وهو ) أي : القول بعدم وجوب تعيينهما .

( الأصح ) قاله في الفروع وغيره ( فأخطأ ) لم تصح صلاته قدمه في الفروع وغيره وعلم من قوله : عين إماما أو مأموما : أنه لو وصفه في غير تعيين له لصحت صلاته وهو الصحيح وعلم أيضا من قوله : وقلنا لا يجب تعيينهما : أنا إذا قلنا يجب تعيينهما فعينهما وأخطأ صحت صلاته " تتمة " وعلم من قوله : عين إماما إلخ أنه لو ظنه ولم يعينه ، لصحت صلاته وهو الصحيح لأنه معذور في التعيين ، لصحة صلاته والخطأ معفو له عنه ( أو نوى الإمامة وهو لا يرجو مجيء أحد ) يأتم به ( لم تصح ) صلاته ، ولو حضر من ائتم به ، لأن الأصل عدم مجيئه .

( وإن نوى الإمامة ظانا حضور مأموم ) بأن يغلب على ظنه حضور من يأتم به ( صح ) ذلك ، كما لو علمه و ( لا ) تصح نية الإمامة ( مع الشك ) في حضور من يأتم به ، كما لو علم عدم مجيئه لأنه الأصل ( فإن ) نوى الإمامة ظانا حضور مأموم ( فلم يحضر ، لم تصح ) صلاته ، لأنه نوى الإمامة بمن لم يأتم به ، وكذا لو حضر ولم يدخل معه ، لا إن دخل ثم انصرف قبل إتمامه صلاته فإن صلاة الإمام لا تبطل ويتمها منفردا ( وإن أحرم منفردا ، ثم نوى الائتمام ) في أثناء الصلاة ( أو ) أحرم منفردا ، ثم نوى ( الإمامة لم يصح فرضا كانت ) الصلاة ( أو نفلا ) كالتراويح والوتر ، لما تقدم .

قال في الإنصاف : هذا المذهب عليه الجمهور قال في الفروع : اختاره الأكثر قال المجد : اختاره القاضي وأكثر أصحابنا ( والمنصوص صحة الإمامة ) ممن أحرم منفردا ( في النفل وهو الصحيح ) عند الموفق ومن تابعه لحديث ابن عباس قال { بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ، فقمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه } متفق عليه .

وروى مسلم معناه من حديث [ ص: 320 ] أنس وجابر بن عبد الله قلت : ولا دليل في ذلك لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم نوى الإمامة ابتداء لظنه حضورهم ( وإن أحرم مأموما ثم نوى الانفراد لعذر يبيح ترك الجماعة ، كتطويل إمام و ) ( كمرض ، و ) ك ( غلبة نعاس أو ) غلبة ( شيء يفسد صلاته ) كمدافعة أحد الأخبثين ( أو خوف على أهل أو مال أو ) خوف ( فوت رفقة أو خرج من الصف مغلوبا ) لشدة زحام .

( ولم يجد من يقف معه ونحوه ) أي : نحو ما ذكر من الأعذار ( صح ) انفراده فيتم صلاته منفردا لحديث جابر { قال : صلى معاذ بقومه فقرأ سورة البقرة ، فتأخر رجل فصلى وحده فقيل له : نافقت : قال ما نافقت ، ولكن لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال : أفتان أنت يا معاذ مرتين } متفق عليه وكذا لو نوى الإمام الانفراد لعذر ومحل إباحة المفارقة لعذر ( إن استفاد ) من فارق لتدارك شيء يخشى فوته ، أو غلبة نعاس ، أو خوف ضرر ، ونحوه ( بمفارقته ) إمامه ( تعجيل لحوقه قبل فراغ إمامه ) من صلاته ، ليحصل مقصوده من المفارقة ( فإن كان الإمام يعجل ولا يتميز انفراده عنه بنوع تعجيل لم يجز ) له الانفراد ، لعدم الفائدة فيه وأما من عذره الخروج من الصف فله المفارقة مطلقا .

لأن عذره خوف الفساد بالفدية وذلك يتدارك بالسرعة ( فإن زال العذر وهو ) أي : المأموم ( في الصلاة ، فله الدخول مع الإمام ) فيما بقي من صلاته ، ويتمه معه ولا يلزمه الدخول معه ( فإن فارقه ) أي : فارق المأموم الإمام لعذر مما تقدم ( في قيام قبل قراءته ) أي : الإمام ( الفاتحة قرأ ) المأموم لنفسه ، لصيرورته منفردا قبل سقوط فرض القراءة عنه بقراءة الإمام ( و ) إن فارقه المأموم ( بعدها ) أي : بعد قراءة الفاتحة ف ( له الركوع في الحال ) لأن قراءة الإمام قراءة للمأموم .

( و ) إن فارقه ( في أثنائها ) أي : القراءة ( يكمل ما بقي ) من الفاتحة لما تقدم ( وإن كان في صلاة سر ) كظهر وعصر ، أو في الأخيرتين من العشاء مثلا وفارق الإمام لعذر بعد قيامه .

( وظن أن إمامه قرأ لم يقرأ ) أي : لم تلزمه القراءة ، إقامة للظن مقام اليقين قلت والاحتياط القراءة ( وإن فارقه ) لعذر ( في ثانية الجمعة ) وقد أدرك الأولى معه ( أتم جمعة ) لأن الجمعة تدرك بركعة وقد أدركها مع الإمام ( فإن فارقه في ) الركعة ( الأولى ) من الجمعة ( فكمزحوم فيها حتى تفوته الركعتان ) [ ص: 321 ] فيتمها نفلا ، ثم يصلي الظهر .

( وإن كان ) انفراد المأموم عن الإمام ( لغير عذر لم يصح ) لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تختلفوا على أئمتكم " ولأنه ترك متابعة إمامه وانتقل من الأعلى إلى الأدنى بغير عذر أشبه ما لو نقلها إلى النفل ، أو ترك المتابعة من غير نية الانفراد ( وإن أحرم إمام ثم صار منفردا لعذر ، مثل أن سبق المأموم الحدث ، أو فسدت صلاته لعذر أو غيره فنوى الانفراد ) قلت : أو لم ينوه ( صح ) ويتم صلاته منفردا .

قال في الفروع : وإذا بطلت صلاة المأموم أتمها إمامه منفردا قطع به جماعة لأنها لا ضمنها ولا متعلقة بها بدليل سهوه وعلمه بحدثه وعنه تبطل وذكره في المغني : قياس المذهب .

( وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه ) لارتباطها بها ( لا عكسه ) أي : لا تبطل صلاة إمام ببطلان صلاة مأموم لما تقدم ( سواء كان ) بطلان صلاة الإمام ( لعذر ، كأن سبقه الحدث ) والمرض ، أو حصر عن القراءة الواجبة ونحو ذلك ، ( أو لغير عذر كأن تعمد الحدث أو غيره من المبطلات ) للصلاة لحديث علي بن طلق مرفوعا { إذا فسا أحدكم في صلاته ، فلينصرف ، فليتوضأ وليعد الصلاة } رواه أبو داود بإسناد جيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية