كشاف القناع عن متن الإقناع

البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

صفحة جزء
( فصل في كفارة اليمين وفيها تخيير وترتيب ) فالتخيير بين الإطعام والكسوة والعتق والترتيب فيها بين ذلك وبين الصيام والأصل في ذلك قوله تعالى { فكفارته إطعام عشرة مساكين } الآية ( فيخير من لزمته بين ثلاثة أشياء إطعام عشرة مساكين مسلمين أحرارا ولو صغارا ) كالزكاة ( جنسا ) واحدا ( كان المطعم ) كأن يطعمهم برا ( أو أكثر ) من جنس كأن أطعم البعض برا والبعض شعيرا والبعض تمرا والبعض زبيبا ( أو كسوتهم ) أي العشرة مساكين ( أو تحرير رقبة ) مؤمنة كما تقدم في الظهار ( فمن لم يجد ) بأن عجز عن العتق والإطعام والكسوة ( فصيام ثلاثة أيام ) للآية ( والكسوة ما تجزئ صلاة ) المسكين ( الآخذ الفرض فيه للرجل ثوب ولو عتيقا إذا لم تذهب قوته ) فإن بلي وذهبت منفعته لم يجزئه لأنه معيب .

( أو قميص يجزئه أن يصلي فيه الفرض نصا ) نقله حرب ( بأن يجعل على عاتقه منه شيئا ) بعد ستر عورته ( أو ثوبان يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر ولا يجزئه مئزر وحده ولا سراويل ) وحده لأن الفرض لا يجزئ فيه ( وللمرأة درع ) أي قميص ( وخمار يجزئها أن تصلي فيه ) لأن ما دون ذلك لا يجزئ لابسه في الصلاة ويسمى عريانا ( وإن أعطاها ) المكفر ( ثوبا واسعا يمكن أن يستر ) الثوب ( بدنها ورأسها أجزأه ) إناطة بستر عورتها ( ويجوز أن يكسوهم من جميع أصناف الكسوة مما يجوز للآخذ لبسه من قطن وكتان وصوف وشعر ووبر وخزو حرير وسواء كان مصبوغا أو لا أو خاما أو مقصورا ) لعموم [ ص: 243 ] الآية .

( ويجوز أن يطعم ) المكفر ( بعضا ) من العشرة ( ويكسو بعضا ) منهم لأن الله تعالى خير من وجبت عليه الكفارة بين الإطعام والكسوة فكان مرجعهما إلى اختياره في العشرة وفي بعضهم بخلاف ما لم يخيره فيه ( فإن أطعم المسكين بعض الطعام وكساه بعض الكسوة ) لم يجزئه لأنه لم يطعمه ولم يكسه ( أو أعتق نصف عبد وأطعم خمسة أو كساهم ) لم يجزئه لأنه لم يحرر رقبة ولم يطعم أو يكسو عشرة ( أو أطعم ) بعض العشرة ( وصام ) دون الثلاثة .

( لم يجزئه ) وكذا لو كسا البعض وصام أو أعتق نصف رقبة وصام الباقي لأنه لم يعتق رقبة ولم يطعم عشرة ولم يكسهم ولم يصم ثلاثة أيام ( كبقية الكفارات ولا ينتقل ) المكفر بيمينه ( إلى الصوم إلا إذا عجز كعجزه عن زكاة الفطر ) كما تقدم ( ولو كان ماله غائبا استدان ) ما يطعمه أو يكسوه أو يعتق به ( إن قدر ) على ذلك ( وإلا صام ) كمن لا مال له ( والكفارة بغير الصوم ) من إطعام أو كسوة أو عتق رقبة ( إنما تجب في الفاضل عن حاجته الأصلية الصالحة لمثله كدار يحتاج إلى سكناها ودابة يحتاج إلى ركوبها وخادم يحتاج إلى خدمته فلا يلزمه بيع ذلك ) ليكفر منه لاحتياجه إليه فإن كانت الدار فوق ما يصلح لمثله أو الخادم كذلك وأمكن بيع ذلك وشراء ما يصلح لمثله والتكفير بالباقي لزمه .

( فإن كان له عقار يحتاج إلى أجرته لمؤنته أو ) ل ( حوائجه الأصلية ) من كسوة ومسكن ونحوهما ( أو ) كان له ( بضاعة يحتل ربحها المحتاج إليه بالتكفير منها أو ) كان له ( سائمة يحتاج إلى نمائها حاجة أصلية أو ) له ( أثاث يحتاج إليه أو كتب علم يحتاجها ) لنظر أو حفظ ( أو ثياب جمال ونحو ذلك ) كحلي امرأة تحتاجه ( أو تعذر بيع شيء لا يحتاج إليه انتقل إلى الصوم ) لأنه لم يتمكن من غيره على وجه لا يضره ( وتقدم بعض ذلك في الظهار ويجب التتابع في الصوم ) لقراءة أبي وابن مسعود " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " حكاه أحمد ورواه الأثرم وكصوم الظهار ( إن لم يكن عذر ) فيسقط به وجوب التتابع كما تقدم في الظهار ( وتجب كفارة يمين ونذر على الفور إذا حنث ) لأنه الأصل في الأمر المطلق .

( وإن شاء ) الحالف ( كفر قبل الحنث فتكون ) الكفارة ( محللة لليمين وإن شاء ) كفر ( بعده ) أي الحنث ( فتكون مكفرة ) وممن روي عنه تقديم الكفارة قبل الحنث : عمر وابنه وابن عباس وسلمان وعن عبد الرحمن بن سمرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا عبد الرحمن إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير } رواه [ ص: 244 ] أبو داود والنسائي ورجاله ثقات .

ولأنه كفر بعد سببه فجاز ككفارة الظهار والقتل بعد الجراح والحنث شرط وليس بسبب ( فهما ) أي التكفير قبل الحنث وبعده ( في الفضيلة سواء ) نص عليه لأن الأحاديث الواردة فيها التقديم مرة والتأخير أخرى وهذا دليل التسوية ( هو ما كانت الكفارة غيره ) أي غير صوم لظاهر ما سبق ( ولو كان الحنث حراما ) كأن حلف لا يشرب الخمر أو ليصلي الظهر خلافا لما في المبدع حيث قال : إذا كان كذلك كفر بعده مطلقا ( ولا يصح تقديمها ) أي الكفارة ( على اليمين ) لأنه تقديم الحكم قبل سببه كتقديم الزكاة قبل ملك النصاب .

( وإذا كفر بالصوم قبل الحنث لفقره ) إذ ( ثم حنث وهو موسر لم يجزئه ) الصوم قال في المغني : لأن المعتبر في الكفارات وقت الوجوب وهو هنا وقت الحنث وقد صار موسرا فلا يجزئ الصوم كما لو صام إذن .

وقال ابن رجب في القاعدة الخامسة : وإطلاق الأكثرين يخالف ذلك لأنه كان فرضه في الظاهر فبرئ من الواجب فلم يحصل به الحنث لأن الكفارة حلته .

التالي السابق


الخدمات العلمية