الإدارة التربوية (مقدمات لمنظور إسلامي)

الدكتور / عارف عطاري

صفحة جزء
الاتصال في المؤسسات التربوية

يتم معظم العمل الإداري في المؤسسات التربوية من خلال الاتصال بين الإدارة التربوية والجمهور الداخلي والخارجي للمدرسة. ويتم الاتصال بطرق متنوعة مثل التعميمات، والمذكرات، والاتصال الهاتفي، ولوحة الإعلانات، والخطابات الرسمية، والبريد الإلكتروني، ورسائل الفاكس، والإعلانات عبر مكبرات الصوت، وأجهزة الاتصال الداخلي، ولغة الجسد، إضافة إلى الاتصال وجها لوجه. قد يتم الاتصال في غرف الاجتماعات وغرف العاملين وفي الطريق إلى الفصول وغيرها من الأماكن، أحيانا يتم مصادفة وأحيانا أخرى بشكل مخطط له، وأخيرا قد يكون الاتصال رسميا وقد يكون غير رسمي.

أيا كان المكان أو الوسيلة فيجب أن يحكم الاتصال في الإطار الإسلامي بالمنظور الإسلامي. قد يتبادر إلى الذهن أن الاتصال من المنظور الإسلامي يأخذ طابع المواعظ الدينية التقليدية. لا شك أن الاتصال من المنظور الإسلامي عملية هـادفة موجهة بالفضيلة والعقيدة. الاتصال مستخدم في القرآن مع ألفاظ مثل الخير والبر والقسط والإحسان والعدل والحق والمعروف والتقوى. ولكن الاتصال من منظور إسلامي يتخطى ذلك التعاليم الإسلامية تعلمنا متى، وماذا، وكيف، ولماذا، ولماذا نتكلم، ومع من؟ [ ص: 104 ] - في ضوء مبدأ الإتقان يجب أن يتسم الاتصال بالفعالية والكفاءة. يجب أن تبقى الأطراف المعنية على إطلاع دائم وفوري بما يجري في المدرسة. الرسائل يجب أن تكون موقعة ومؤرخة حسب الأصول. يجب تسليم الرسائل لأصحابها فور تسلمها. على الإداريين والعاملين الرد على الخطابات دون تأخير لا مبرر له.

- من حق العاملين أن يعرفوا ويتحققوا ويتفحصوا ويسألوا ويوضحوا وأن يصلوا إلى المعلومات. وعلى الإداري ألا يتذمر من طلبات من هـذا النوع، ليس مقبولا إنكار وجود بيانات أو تدمير بعض الوثائق وممارسات التغطية على الحقائق. ولكن الحق في المعرفة والوصول إلى المعلومات يجب أن يضبط بالمنظومة القيمية الإسلامية. فالإسلام لا يحبذ نشر قصص الرذيلة والإثارة والتهييج وتضخيم الأحداث.

- يجب أن تكون الرسالة خالية من الغموض ولغة التهديد والاستفزاز وتعدد المعاني، يجب ألا يكون في الرسالة تقولا على الآخرين، ولا ليا لأعناق الحقائق باستخدام الخطاب البلاغي ولغة الأدب. على المتكلم أن يتأكد أن المستمع فهم الرسالة من وجهة نظر المرسل. ويفضل أن يطلب من المتلقي التأكيد على فهمه الرسالة أو أن يطلب منه إعادة محتواها بطريقته. على المرسل أن يكون مباشرا ويقول ما يعنيه فلا يغمز يسارا ويتجه يمينا. [ ص: 105 ] - أسلوب الرسالة مهم كمحتواها، بدون التضحية بأي منهما. يفضل أن تكون الرسالة مختصرة دون إخلال بالمحتوى، ويجب مراعاة الثقافة المحلية والمستوى التعليمي للمستقبلين.

- يجب عدم وضع المستقبلين في حالة عدم التكافؤ بالسماح لبعضهم بالكلام وحرمان آخرين، أو تحديد الوقت لبعضهم وإطلاقه لآخرين وادعاء ضيق الوقت لغيرهم، أو إظهار الاهتمام ببعض وعدم الاكتراث لآخرين.. وهكذا.

- يجب عدم استغلال الاتصال لخدمة أصحاب النفوذ أو خدمة المصالح الخاصة. ويجب عدم استخدام الاتصال بطريقة العلاقات العامة وتحسين السمعة.

- استخدام اللغة المهذبة. لغة الفحش والتعالي والصراخ غير مقبولة. الاتصال الإسلامي خال من البذاءة والإباحية وعدم الثقة وتلفيق الوقائع والتضليل والتشويه والتشكيك والتزوير وإشاعة الشائعات:

( اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ) [الحجرات: 12]،

( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم ) [البقرة: 263]،

( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ) >[1] [ ص: 106 ] - الخطاب الإسلامي ليس متجهما مملا ومفرطا في الجدية، بل يجب أن تكون المناقشات حية مثيرة ومسلية وتشيع السرور. يمكن قياس المناخ التنظيمي في المؤسسات الإسلامية بقدر إشاعته للبهجة التي تجعل العاملين يحبون المكان.

- أطراف الرسالة يجب ألا يكونوا عدوانيين ولا سلبيين بل متوازنين صبورين مثابرين يستخدمون الإقناع وليس الإكراه.

- يجب عدم نشر المعلومات دون قاعدة معرفية متينة ومصدر يوثق به، لا يجوز اغتيال الشخصية ولا تلفيق المعلومات وإدارتها بطريقة التحايل، وتسريب قصص غير حقيقية يمكن أن تؤذي سمعة وشرف الآخرين وتهدد نزاهة الآخرين

( ولا تقف ما ليس لك به علم ) [الإسراء: 36]،

فالمعلومات غير الصحيحة يمكن أن تؤدي إلى الكراهية والصراع والخصومات، وتوجد فجوة في المصداقية، والحرص على الإثارة وبناء صورة مخادعة يؤدي إلى زعزعة حس المسئولية في الاتصال. المبادئ الأخلاقية ضرورية للانسجام دون خوف أو يأس أو قلق أو انعدام أمل أو انعدام يقين أو استحواذ الهواجس.

إن الأمر بقول القسط يتضمن أنماطا من السلوك الأخلاقي مثل قول الحق والإيجاز والسلوك الهادف

( اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ) [ ص: 107 ] - والاتصال من المنظور الإسلامي يتضمن التفكير الناقد. وهذا يستدعي اليقظة في التعامل مع الرسائل، وعلى المتلقي أن يعي عمليات الغربلة والفلترة والتنخيل التي تتعرض لها الرسائل، وأن يعي تأثير المصلحة والثقافة، ومحاولات تشتيت الانتباه وحرف التركيز، والتنميط والابتعاد عن نقاط الارتكاز باللجوء للاستطراد والانحراف والتجاوز والمماحكات اللفظية والمكائد.

- وبما أن الناس أحيانا تفضل السكوت وعدم المبادرة لطرح الآراء فعلى الإداري التفكير بطرق لإشراك أولئك الذين يحبذون السكوت لسبب أو لآخر. على الإداري أن يلجأ للقنوات غير الرسمية للاتصال، ويقرأ ما يعرف بالكتابة على الجدران والقنوات الأخرى.

- لغة الجسد مهمة أيضا، يروى مثلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يواجه الناس بكليته، تعبيرا عن احترامه لهم. في الإسلام يشجع أطراف العملية الاتصالية على الابتسام والاحتفاظ بالنظر إلى (الآخر) وإبداء بالاهتمام وتقديم التغذية الراجعة لفظا وكتابة. وهذا الاهتمام يجب ألا يكون شكليا أو ظاهريا. [ ص: 108 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية