انتشار الإسلام في كوسوفا

سامر بابروش أحمدي

صفحة جزء
المبحث الثالث

أسباب التوجه العثماني لكوسوفا

بدأت حركة العثمانيين واتساع دولتهم نحو أوروبا بصفة عامة و «كوسوفا» بصفة خاصة لأسباب مختلفة، يمكن إجمالها في الآتي:

أولا: الدعوة والجهاد

بعد أن ثبت العثمانيون أقدامهم في آسيا الصغرى بدأت أنظارهم تتجه نحو المناطق الأوروبية المجاورة لهم؛ لأجل نشر الإسلام، وتوسيع رقعة دولتهم، والقيام بفريضة الجهاد، فتساقطت في أيديهم بعض أراضي الدولة البيزنطية وبعض بلاد البلقان كبلغاريا وصربيا ومقدونيا كأوراق الخريف >[1] ، وبعد فتحها بدأ الإسلام ينتشر في بلاد البلقان بشكل تدريجي.

ثانيا: موقع «كوسوفا»

تحتل « كوسوفا » موقعا جغرافيا استراتيجيا، فهي تقع في قلب بلاد البلقان، وهي بهذا الموقع تعتبر نافذة يمكن الإطلال من خلالها على بلاد البلقان الأخرى أو السيطرة عليها، ولهذا كان من الطبيعي أن تزحف الجيوش العثمانية نحوها بنية الاستيلاء عليها. [ ص: 126 ]

ثالثا: مواجهة تمرد الصرب

(في العام 773هـ/1371م) عندما كان السلطان مراد الأول منشغلا في آسيا استغل الصربيون الفرصة للهجوم على القوات العثمانية، التي كانت في أراضيهم، ولكنهم هـزموا وأضاعوا كل ما كان لديهم.. ولأجل استئصال هـذا التمرد والقضاء على قادته فإن السلطان مراد الأول استعد للحرب بتجهيز جيشه الآسيوي ومعه ابناه بايزيد ويعقوب، وفي أوروبا انضمت أجزاء جيشه إليه وجمع السلطان مراد الأول هـذه الجيوش واتجه إلى المعركة ضد القوات المكونة من سبعة شعوب وهم: الصرب والبلغار والبجناك والألبان والرومانيون والبولنديون والمجر، وقد اجتمعت هـذه الشعوب في سهل « كوسوفا » أو سهل الطيور السود كما يسميه المؤرخون كـ «كارل بروكولمان BroKellmann Karl» ووقف ملك الصرب وسط الجيش وفي يمينه «ووك برانكوويتش VuK BranKoviq» >[2] وفي شماله ملك البجناك « تورتكو TvertKo»، أما عن المسلمين فإن السلطان مراد الأول قد وقف [ ص: 127 ] في قلب الجيش وعلى يمينه ابنه الأمير بايزيد وعلى شماله ابنه الأمير يعقوب ثم بدأت المعركة وكانت عنيفة جدا وانتهت بهزيمة الحلفاء >[3] ، هـذا وقد وقعت هـذه المعركة في «كوسوفا» وهي أول معركة للعثمانيين داخل حدود « كوسوفا » الحالية.

رابعا: سوء أحوال الأقلية المسلمة

كانت أحوال الأقلية المسلمة في بلاد البلقان سيئة جدا قبل وصول العثمانيين إليها؛ لأنهم كانوا يتعرضون للأذى والاضطهاد من قبل أهالي البلقان – أي من الأرثوذكسيين – وهذا بالنسبة إلى الذين بقوا في البلقان، أما الآخرون الذين لم يصبروا على الاضطهاد فقد لاذوا بالفرار إلى المناطق المجاورة، إلا أن أحوالهم هـنالك قد ازدادت سوءا >[4] .

خامسا: سوء الأحوال في البلقان إبان الحكم البيزنطي

ساءت أحوال البلقان في ظل حكم البيزنطيين، بسبب الضرائب الباهظة التي فرضها البيزنطيون على رعاياهم من البلقان، ولسوء موظفيهم وإدارييهم، وميلهم إلى الفساد والرشوة، وابتزاز الأموال، وازداد الأمر سوءا عندما بدأ السلافيون محاولاتهم للاستيلاء على الأراضي البلقانية بقوة السلاح [ ص: 128 ] والاصطدام بالبيزنطيين، ونتيجة لذلك رأى العثمانيون أن الفرصة مواتية لضم بلاد البلقان إلى ملكهم وتخليص أهلها من ظلم البيزنطيين >[5] .

سادسا: تثبيت الحكم العثماني في بلاد البلقان

اهتم السلطان مراد الثاني باستقرار الأوضاع بالنسبة لبلاد البلقان بصفة خاصة وأوروبا بصفة عامة بعدما لاحظ ضعف الوجود الإسلامي والعثماني هـنالك ومحاولة الصرب وحلفائهم لطرد المسلمين من أوروبا، فقام بتقوية الحاميات العثمانية وتزويدها بالزاد والعتاد ليضمن الحفاظ على بسط سيطرته عليها والتصدي للحركات المناوئة له، وقد كللت مساعيه بالنجاح، حيث اضطر ملك صربيا إلى الخضوع للدولة العثمانية والدخول تحت حكمها، ثم واصل السلطان مراد الثاني جهاده الدعوي، واستطاع أن يفتح ألبانيا سنة (834هـ/1431م) ، ولكن الأوضاع في ألبانيا لم تستقر لصالحه إذ انتفض عليه الألبان وتمكنوا من هـزيمة جيوشه في جبال ألبانيا، وتكبيدها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات وإجبارهم على الانسحاب.

وقد أدى النصر الذي حققه الألبان في هـذه المعركة إلى ازدياد التأييد النصراني الأوروبي للجيوش الألبانية، ثم تعرض العثمانيون لمؤامرة أخرى من قبل الحلف الصليبي المكون من عدد من الدول الأوروبية، وكان هـدفهم طرد العثمانيين من أوروبا كلية، وأوقع قائد الحلف الصليبي « هـنيادي » (وهو [ ص: 129 ] مجري الأصل) بالعثمانيين هـذه المرة هـزيمتين فادحتين عام (846هـ/1442م) واضطر العثمانيون إلى طلب الصلح؛ وعقد الصلح بينهما في شهر يوليو عام 848هـ/1444م لمدة عشر سنوات، وكتب الصلح باللغتين العثمانية والمجرية وأقسم « لاديساس » ملك المجر على الإنجيل كما أقسم السلطان مراد الثاني بالقرآن على الالتزام بشروط الصلح.

وبعد فراغ السلطان مراد الثاني من عقد الصلح فوجئ بموت ابنه الأمير «علاء» واشتد حزنه عليه وتنازل عن السلطة لابنه محمد الثاني ، وكان إذ ذاك في الرابعة عشرة من عمره، فاستغل الصليبيون هـذه الفرصة فنقضوا العهد، وقرروا مهاجمة العثمانيين وطردهم من أوروبا، فوصلت أخبارهم إلى السلطان مراد الثاني فقام على الفور بجمع جيوشه وإعدادها ثم تحرك مسرعا نحوهم إلى أن أدركهم وبدأت المعركة بين الجيشين، النصراني والإسلامي، وكانت عنيفة جدا، واستطاع السلطان مراد الثاني، وفي العهود، أن يلتقي مع الملك «لاديساس »، ناقض العهود، وجها لوجه واقتتلا، وبعد معركة عنيفة تمكن السلطان المسلم من قتل الملك المجري النصراني، ووقعت هـذه المعركة بين المسلمين والصليبيين في سهول قوصوة (كوسوفا) في (852هـ/ 7 أكتوبر 1448م) واستمرت ثلاثة أيام وانتهت بفوز ساحق للعثمانيين >[6] وهذه هـي المعركة الثانية التي وقعت في أراضي « كوسوفا » الحالية. [ ص: 130 ]

سابعا: السيطرة على موارد «كوسوفا» الاقتصادية

كانت كوسوفا تضم مدينة تسمى « نوووبردا Novoberda» تعتبر في ذلك الحين أكبر المراكز التجارية والاقتصادية والثقافية، كما كان عدد سكانها يصل إلى 50000 نسمة، ولهذا كانت تقارن في أوروبا مع استانبول في هـذا الجانب >[7] .

فالسلطان محمد الفاتح اهتم بفتح هـذه المدينة الغنية، التي تتوافر على معادن كثيرة كالذهب والفضة، وكان السلطان محمد الفاتح في أمس الحاجة إليها لتنظيم وتثبيت فتوحاته في أوروبا، ولهذا ليس من قبيل المصادفة أن يبدأ السلطان محمد الفاتح بعد فتحه للقسطنطينية مباشرة في الاستعداد لفتح هـذه المدينة، ففي عام.. 860هـ/1455م اتجه السلطان نحو «كوسوفا» بجيشه الكبير الذي كان يتجاوز ذلك الجيش الذي جهزه لفتح القسطنطينية. وهنالك روايتان فيما يتعلق بفتح مدينة «نوووبردا»، الرواية الأولى تقول: إن السلطان استطاع أن يفتحها خلال أربعين يوما، وكان عدد القتلى في هـذه المعركة كبيرا في الجهتين، أما الرواية الثانية فتقول: إنها استسلمت في 860هـ/1حزيران 1455م.. وبعد فتح هـذه المدينة بدأت المدن الكوسوفية تتساقط في أيدي العثمانيين >[8] . [ ص: 131 ] ثامنا: الاستجابة لرغبة البلقانيين بصفة عامة والكوسوفيين بصفة خاصة

وصف الرحالة العثمانيين في القرن الخامس عشر الميلادي بأنهم قوم ذوو خلق، وأصبح الشعب العثماني في الأوساط البلقانية مثالا للفضائل، أي للشعب الذي يطبق العدالة الاجتماعية. وكان أهل البلقان يتمنون وصول العثمانيين إليهم أكثر مما كان يتمنى العثمانيون أنفسهم >[9] ؛ وذلك لتصحيح الاعوجاج والاستغلال، والفساد الأخلاقي الذي عم بلادهم، بسبب فساد رجال الدين، واستغلال الحكام والارستقراطيين لعامة الناس، وتسخيرهم لخدمة مصالحهم. [ ص: 132 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية