استشراف المستقبل في الحديث النبوي

الدكتور / إلياس بلكا

صفحة جزء
- الكهانة والعرافة

قال القاضي عياض في أول شرح باب تحريم الكهانة: كانت الكهانة عند العرب على ثلاثة أضرب: [ ص: 91 ] أحدها: أن يكون للإنسان رئي من الجن يخبره بما يسترق من السمع، وهذا القسم قد بطل منذ بعث الله محمدا.

الثاني: أن يخبره بما يطرأ في أقطـار الأرض وما خفـي عنه مما قرب أو بعد، وهذا لا يبعد وجوده.

الثالث: الحرز والتخمين، وهذا يخلق الله لبعض الناس فيه قوة، لكن الكذب فيه أغلب.

ومن هـذا الفن العرافة، وصاحبها العراف يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات، ويدعي معرفتها بها، وقد يعتضد في ذلك بالزجر والطرق >[1] .

وجميع هـذا محرم، ( فقد سأل معاوية السلمي النبي عليه السلام عن الكهان، فقال: «فلا تأتوهم ) >[2] . ( وحين قال الصحابة: إن الكهان كانوا يحدثوننا بالشيء فنجده حقا بين لهم النبي عليه السلام سبب إصابتهم أحيانا في ما يتنبؤون به، قال: «تلك الكلمة الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه ويزيد فيها مائة كذبة ) >[3] .

ولما كانت الكهانة مجرد تطاول على الغيب بالكذب والتخليط فقد أبطلها الإسلام، ونهى رسوله عن مجرد استشارة الكهنة والعرافين: فعن أبي هـريرة ، رفعه: ( من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما [ ص: 92 ] أنزل على محمد ) >[4] . وعن ابن مسعود مثله >[5] ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن حلوان الكاهن >[6] ؛ أي أجرته.

ولا يقدر هـذا الموقف الإسلامي حق قدره إلا من درس الكهانة قديما، وأدرك إلى أي مدى أفسدت العقل الإنساني وأعاقت كل تفكير علمي يخص المستقبل، فأخرت بذلك ظهور الحضارة قرونا. ولذلك فإن الحديث في الكهانة متشعب الجوانب جدا، خلاف ما قد يتبادر إلى الذهن >[7] .

التالي السابق


الخدمات العلمية