إحياء دور الوقف لتحقيق التنمية

الدكتور / أسامة عبد المجيد العاني

صفحة جزء
- المطلب الرابع: التحسينات:

وهي الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق >[1] .

وهو مالا يرجع إلى ضرورة ولا حاجة ولكن يقع موقع التحسين والتزيين، والتوسعـة والتيسـير للمزايا والمراتب ورعـاية أحسن المناهج في العبـادات، والعادات، والمعاملات، والعمل على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات >[2] . [ ص: 106 ] وتظهر أهمية المصالح التحسينية من الوجوه الآتية:

1- بها يظهر جمال الأمة وكمالها وحسن أخلاقها وبديع نظامها حتى يرغب في الاندماج فيها والدخول في شريعتها.

2- إنها خادمة للحاجيات والضروريات.

3- إنها كالفرع للأصل الضروري ومبنية عليه؛ لأنها تكمل ما هو حاجي، فإذا كان ما هو ضروري فظاهر، وإذ كملت ما هو حاجي، فالحاجي مكمل للضروري، والمكمل للمكمل مكمل >[3] .

والتحسينات تجري أيضا في أبواب المقاصد الخمسة:

1- فيما يتعلق بباب المحافظة على الدين: شرع الإسلام أنواع الطهارات، وستر العورة، وأخذ الزينة عند كل مسجد، والتقرب بأنواع القربات، واختيار الأطيب الأعلى في أداء الزكوات.

2- فيما يتعلق بباب المحافظة على النفس: الرفق، والإحسان، وآداب الأكل والشرب، وتجنب المآكل النجسة والمشروبات القذرة، وترك الإسراف في الطعام والشراب واللباس وغيرها.

3- ومن باب المحافظة على النسل: الترفق والرحمة في معاشرة الزوجة، وإمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان.

4- ومن باب المحافظة على العقل: مباعدة الخمر، وتجنب إحرازها، ولو مع قصد عدم الاستعمال. [ ص: 107 ] 5- ومن باب المحافظة على المال: التورع في كسب المال وأخذه من غير شبهة، ولا طمع، ولا استشراف نفس >[4] .

ولا بد من الإشارة إلى أن المصالح بأنواعها الثلاثة ليست سواء في الأهمية، فأولاها بالرعاية الضروريات ثم الحاجيات، ثم التحسينات، وعلى هذا فما شرع من أحكام للأولى أهم مما شرع للثانية، ويترتب على ذلك وجوب رعايتها بهذا الترتيب؛ بمعنى أنه لا يجوز العناية بالحاجيات إذا كانت تخل بالضروريات، ولا يجوز مراعاة التحسينات إذا كان في ذلك إخلال بالضروريات والحاجيات. ولا يجوز مراعاة المكملات إذا كان في مراعاتها إخلال فيما هو أصل لها. كذلك لا يراعى ما هو أقل في الأهمية في الضروريات على ما هو أهم منه، إذ تبقى الضروريات حسب ترتيبها.

وتندرج الضروريات والحاجيات في الشريعة الإسلامية ضمن ما يسمى بالمصالح المعتبرة، وهي المصـالح التي تهدف مقاصد الشريعة إلى تحقيقها، وقد شرع الله سبحـانه وتعـالى القصاص لكل من تخول له نفسه انتهاك هذه الضروريات.

ويمكن للحاكم المسلم استخدام كافة الوسائل المتاحة، التي من شأنها تحقيق النفع العام للإسلام والمسلمين من خلال المصالح المرسلة، التي تعد من قواعد الدين المهمة. وتمكن هذه القاعدة الفقهية البليغة الدولة الإسلامية [ ص: 108 ] وضع الخطط واتباع السياسات اللازمة، التي تحقق الازدهار الاقتصادي للمجتمـع، وبالتالي فإن الإسـلام لا يعارض استخـدام الأسـاليب العلمية الحديثة- مالم يترتب عليها ضرر معروف- في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية أو التنمية البشرية، كما أن هذه القاعدة لا تسمح لأحد استخدام حجة عدم وجود نص كدليل في تعطيل ما يحقق خدمة البشر؛ وتخضع الخطط والسياسات الحكومية للتطور الدائمين موافاة لروح العصر وما تمليه حالة الأمة.

فإذا ما درج المجتمع على قواعد ثابتة (الضروريات) وهيأ المستلزمات الكفيلة بتسهيل عمل هذه القواعد (الحاجيات) ، فلا شك في نشوء المجتمع المنظم، غير أننا لا نتمكن من الجزم في مستوى خلقه. ولن يجادل أحد في أن الغرب استطاع أن يتمكن من تحقيق المجتمع السائر وفقا لخطة معينة ويسعى إلى هدف معين وتحكمه قواعد معينة، إلا أن الجانب الأخلاقي فيه هزيل، فالأسرة مفككة والجريمة منتشرة والإنسان تائه وليس لديه ضابط لحدود حريته (لا وازع ديني ولا خلقي) . هذا الأمر راعته الشريعة الإسلامية، فأوجدت المقصد الثالث وهو (التحسينات) ، وهي التي تجعل أحوال الناس تجري على مقتضى الآداب العالية والخلق القويم، وإذا ما فاتت تصير حياتهم على خلاف ما تقتضيه المروءة ومكارم الأخلاق والفطرة. [ ص: 109 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية