العولمة والتربية (آفاق مستقبلية)

الأستاذ الدكتور / أحمد علي الحاج محمد

صفحة جزء
تقديم

عمر عبيد حسنة

الحمد لله ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) (الجمعة:2) ، فكان هذا البعث سبيل الأميين للمعرفة والتعلم والتفكر في آيات الله في الكتاب المسطور والكون المنظور، والتدبر في آلاء خلقه، ووسيلة كشف السنن الكونية والقوانين الاجتماعية الناظمة لمسيرة الحياة والأحياء وأنساق التعامل معها.

هذه التلاوة للقرآن أو هذه القراءة باسم الله الأكرم كانت ولا تزال الوسيلة الأهم لتنمية العقل واسترداد وظيفته في التفكير والتدبر والكشف والمنع عن التصرفات، التي لا تليق؛ ذلك أن التلاوة والتأمل في الآيات سوف لا تتحقق بمقاصدها إذا لم تؤد إلى تنقية العقل من الأساطير والخرافات والخوارق، وتطهره، وتنأى بصاحبه عن فعل ما لا يليق.

فالتلاوة للآيات تمنح صاحبها التفكير لتنمية العقل، والتزكية للنفس، وتحصيل العلوم والمعارف، والوصول به إلى بناء ملكة الفرقان، والتحلي بالحكمة، التي تعني -فيما تعني- دقة النظر والحذق في الفهم ووضع الأمور بمواضعها، وزنتها بموازينها، والقدرة على الفصل والتبيين في المتشابهات.... [ ص: 5 ] إلخ، فتزكية السلوك وتطهيره وحسن بنائه لا تتحقق إلا بعقل راجح وعلم شامل ورأي حكيم؛ لأن ذلك يشكل البوصلة التربوية الحقيقية التي توجه المسير، وتحدد معالم الطريق، وتبين الهدف، وتخلص من التشتت والضياع .

والصلاة والسلام على نبي الرسالة الخاتمة، صاحب هذا الابتعاث والإحياء والتربية على قيمه للوصول إلى التقوى، التي تشكل غاية الغايات ومقصد التكاليف والعبادات، الذي جاءت رسالته للناس كافة، وكان مقصدها إلحاق الرحمة بالعـالمين؛ والرحمة والتراحم هي أعلى قيم التربية وغاية مسعاها للوصول إلى السلوك القويم وإتمام محاسن الأخلاق وبناء إنسانية سعيدة.

وبعد:

فهذا "كتاب الأمة" الخامس والأربعون بعد المائة: "العولمة والتربية.. آفاق مستقبلية" للأستاذ الدكتور أحمد علي الحاج محمد، في سلسلـة "كتاب الأمة" التي تصدرها إدارة البحوث والدراسات في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر، في سعيها الدائب لاكتشاف الخلل، الذي يعيق عملية النهوض، والمساهمة في تحديد مواطن القصور، وبيان أسباب التقصير، والعمل على توفير شروط النهضة، والتمحور حول ركيزتها الأولى تنشئة الإنسان الصالح المصلح، وتشكيل مرجعيته الشرعية وثقافته العصرية، اهتداء بقيم الوحي في الكتاب والسنة، ليكون في مستوى إسلامه ورسالته الإنسانية العالمية ومستـوى عصره، في توجهاته صوب العولمـة والعالمية، [ ص: 6 ] وما يتطلب ذلك من إعادة بناء الأمة الوسط، أمة نشر العدل والمساواة وتحقيق الشهادة على الناس، والقيادة لهم إلى الخير، وإلحاق الرحمة بهم، وإغرائهم بالإيمان بالله والتزام قيم الإسلام، الذي يوفر لهم الملاذ الآمن، ويلغي التمييز العنصري، ويقضي على أسباب الحروب والصراعات وأنواع الهيمنة والتسلط، وحمايتهم من عدوان الطغاة والمستبدين، وبعث روح الجهاد بكل أبعاده ومفاهيمه، والدعوة إلى العودة إلى المسجد، محور الحضارة الإسلامية الإنسانية وإحياء رسالته.

لقد استطاع أعداء الإسلام، بإعلامهم الطاغي تشويه صورة الإسلام، والتخويف منه، ومن أهله، واستطاعوا إقامة الحواجز النفسية بين الناس وقيم هذا الدين، وبدل أن يكون الفرار إليه والاطمئنان في ظلاله بالسلم والأمن والأمان تحول الحال ليصبح الإسلام والإسلاميين الشبح المخيف، الذي يستعمله الأعداء والخصوم لمحاصرة امتداده، والحيلولة دون التعرف عليه بشكل صحيح واعتباره الملجأ والمنجى.

ولا بد من الاعتراف أننا بدل أن ندرس تلك الظاهرة ونعرف كيف نتعامل معها بشكل سليم وصحيح وحكيم أمضينا ردحا من حياتنا المعاصرة نلقي بالتبعة كلها على نوايا (الآخر) وكيوده ومؤامراته وغزوه الثقافي واستلابه الحضاري، وأعفينا أنفسنا من كامل المسؤولية عما صار إليه حالنا؛ إننا مع الأسف لما ننظر إلى الداخل ونعاين الخلل، الذي نعاني منه، ونكتشف أسباب القصور ومواطن التقصير، ونسعى في معالجتها من خلال رؤية [ ص: 7 ] استراتيجية تأخذ باعتبارها الإمكانات المتاحة (الاستطاعات) وحسن توظيفها والظروف المحيطة (الآخر)، بكل مكوناته وكيوده، وكيفية التعامل معه، حوارا ومناقشة ومدافعة.

ونؤكد القول: إنه لا بد من الاعتراف بأننا ساهمنا، بفهمنا المعوج لقيم الدين وتديننا المغشوش لتنزيل أحكامه على الناس ولممارسة شعائره ووسائلنا المعطوبة في الدعوة إليه، بتشويه صورة هذا الدين (الإنساني) والتنفير منه، وصناعة العداوات والخصومات له، ومحاصرته، وإخراجه من المجتمعات والمدن إلى الكهوف والجبال، بكامل إرادتنا، وفي أحس الأحوال خرجنا به إلى المقابر والمعتقلات، وأصبح ذلك محل الفخر، كما أصبح هو المادة الإعلامية العالمية الطاغية.

وقد يكون من السنن الجارية، التي تحكم جدلية الحياة ما يبيت أعداء الدين من التآمر والكيد للنيل من هذا الدين، والهيمنة على أهله، ومحاصرة امتداده وانتشاره، واعتباره الخصم العنيد، الذي يهدد سلطانهم وينسخ تألههم على العباد والبلاد، والوسيلة الفعالة الأهم لانتزاع ملكهم وحكمهم وتحكمهم، فالله سبحانه وتعالى يقول: ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ... ) (البقرة:120) ، ويقول: ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ... ) (البقرة:217) ، وهذه جدلية الحياة -كما أسلفنا- ومدافعاتها الدائمة بين قيم الإيمان والكفر، والعدل والظلم، والحرية والاستبداد، والمساواة والتمييز العنصري، والاختيار [ ص: 8 ] والإكراه، وقوة الحق وحق القوة، لذلك وفي ضوء ذلك كله شرع الجهاد بمفاهيمه وميادينه ووسائله المتعددة وفي مقدمتها الميدان الفكري ( وجاهدهم به جهادا كبيرا ... ) (الفرقان:52) ، وجاء قـول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل ) (أخرجه أبو داود)؛ لأن التآمر مستمر إلى قيام الساعة، وهذه معركة الحياة، وسننها في ضرب الحق والباطل، يقول تعالى: ( يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) (الرعد:17).

لكن تبقى المشكلة في فقدان التوازن واختلال النسب، وغلبة الفكر الدفاعي، وإعطاء فكرة المؤامرة أكبر من حجمها، والتركيز على تأثيرها السلبي، لتصل إلى شل الإرادة وتعطيل الطاقة وإطفاء الفاعلية وإلغاء (الذات) تماما، واستمرار حالة الوهن وتداعي الأمم وتكريس مرحلة القصعة، بدل أن تقرأ بأبجدية صحيحة فيتم تحويلها إلى محرض حضاري ومجال تحد واستفزاز، فتكون وسيلة لتجميع الطاقة، وتحريك الفاعلية، وتبصير بالطريق، وإشعار بالمسؤولية، وصقل المواهب، واكتشاف المؤهلات، وتعزيز الإيمان، وفرز الزعامات، وتراكم الخبرات، وتحقيق ملكة الفرقان، وتعريف (الآخر) بإنسانية القيم الإسلامية فيتحول من مواجهتها إلى الإيمان بها والدفاع عنها، فليس المغلوب دائما مولع بتقليد حضارة الغالب، وإنما في كثير من الأحيان نجد أن حضارة وقيم المغلوب هي الأقوى من سواعد الغالب. [ ص: 9 ]

ولقد اعتبر بعض علماء التاريخ والحضارة أن التحدي مولد الحضارة، وباعث الفاعلية، ونجد لذلك مصداقا في قوله تعالى: ( الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ... ) (آل عمران:172) ، فميكانيكية الحضارة وسنة المدافعة هي تحد واستجابة، فالتحدي دائما هو المحرك والمحرض وليس الاسترخاء وإيثار السلامة وانتظار عمل السنن الخارقة الموكول أمرها إلى الله.

هذه السنة، أو هذه الجدلية، ليست جديدة ولا طارئة وإنما هي إحدى ميادين المغالبة الحضـارية والحرب النفسية والإعلامية والتربوية الممتدة امتـداد الحياة، يقول تعالى: ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ... ) (آل عمران: 173-174).

ففكرة التآمر والكيد وتبييت الشر للنيل من الدين وأهله قائمة ومستمرة -كما أسلفنا- لكنها إذا أحسنا التعامل معها تصبح حافزا لزيادة الإيمان وعظيم التضحية والاستعداد والإعداد، فالحس السوي بالمؤامرة والإدراك الواعي لأبعادها يشكل محركا للطاقات، ورافعا للقدرة، ولعل التأمل والتدبر في هذه الآية ( الذين قال لهم الناس ... ) ، بكل أبعادها، واستصحاب أسباب نزولها يغني العقل بالعبرة، ويملأ النفس بالثبات والثقة بموعود الله، ويحقق الاستجابة السليمة لحركة الحياة وتحدياتها، ويجدد [ ص: 10 ] الارتكاز إلى قوة الله التي لا تقهر، والتصميم على المضي في إيصال الخير والرحمة، التي جاء بها الإسلام إلى العالم، والجهاد في إزالة العقبات من الطريق، مهما كانت، بعقل وحكمة وصبر ومصابرة، والثبات بعيدا عن تمني لقاء العدو.

إن التربية، التي تمثل المحرض والمخرج والحضن والرباط والتي تمثل غاية التنشئة ووسيلة تدريبها واكتشاف قابليتها وتنمية مهاراتها تبقى هي المسؤول الأول عن تشكيل هذه الرؤية بوسائلها المتعددة؛ هي المسؤول الأول عن صناعة سلوك الإنسان وطرق تفكيره وإيقاظ وعيه العام؛ هي المسؤول عن جميع أنشطته؛ مسؤولة عن تنمية خصائصه وقدراته وتزكية نفسه وتنمية عقله وبناء جسمه، ومسؤولة عن الارتقاء بوسائله وإكسابه المهارات المعرفية والسلوكية والوجدانية.

التربية مسؤولة بالدرجة الأولى عن تنمية النشء، وتأهيله للمستقبل، وبناء مرجعيته، وتصويب رؤيته ليكون في مستوى قيمه وإسلامه، بحيث يدرك رسالته في الحياة من خلال إيمانه؛ ومسؤولة عن إعداد النشء لمجتمعه وعصره وتبصيره بكيفية تعامله معه؛ مسؤولة عن صناعة وإنتاج النشء ليكون في مستوى إسلامه وعصره، يمتلك الرؤية الشاملة والثقافة المتكاملة ودليل العمل؛ يمتلك الأدوات المطلوبة للمضي في هذه الحياة وفق قيمه ومتطلبات عصره.

وأي خلل أو إصابة أو عجز أو قصور في الرؤية أو عطالة في الأدوات أو عطب في الوسائل لا بد من العودة به إلى التربية، ومراجعه وتقويم [ ص: 11 ] سياستها ومناهجها، ومحاكمة واقعها، واكتشاف أسباب الخلل والإصابة في مناهجها وأدائها.

فالتربية ليست رسما بالفراغ؛ وليست أحلام يقظة، وليست التربية الانكفاء على (الذات)؛ وليست الارتماء على (الآخر)؛ ليست التربية توقفا وانقطاعا عن التجديد والتطوير، فالحياة كل يوم في شأن، ففي كل ساعة جديد، فكيف يصلح لها ومعها التوقف والجمود وعدم التطور والتطوير؟

لذلك نقول: إن سياسة التربية ومناهجها، التي لا تبصر معطيات العصر ومتطلباته ولا تسلح النشء برؤية الطريق وطريق التعامل تعاني من اغتراب الزمان؛ والتربية التي تستدعي مناهج ووسائل وأدوات من (الآخر) دون إبصار لمستوى ومكونات (الذات) وعمرها الحضاري ومعادلتها الاجتماعية ومرجعيتها الشرعية إنما تزرع البذور في الهواء، وتحرث في البحر، وتعاني من اغتراب المكان، مهما تجملت وادعت؛ ذلك أنه من الثابت حضاريا أن الأمم التي تطورت إنما تطورت من خلال تنمية (الذات) وتطويرها، الأمر الذي مكنها من الإفادة من (الآخر)، وأن استيراد المناهج والسياسات الجاهزة ساهم بتكريس العجز والتخلف، وقضى على عقلية الإبداع والمبادرة، وتحول إلى الاستسلام وتكديس الأشياء وعطالة الأفكار. [ ص: 12 ]

فالتربية استنبات وتوليد وإبداع، وليست استيرادا وتقليدا وتكديسا؛ ذلك أن الإنسان المتخلف العاجز عن تطوير (الذات) واكتشاف إمكاناتها ووسائل تطويرها والنهوض بها هو أكثر عجزا عن الإفادة من تجارب (الآخر) وتعلمها وإبصار النافع منها.

فالإنسان المتقدم هو القادر على امتصاص جوانب القوة والإبداع عند (الآخر) وتمثلها وإضافتها إلى رصيده، أما المتخلف فتزيده عجزا وتخلفا وتواكلا وهو يحسب أنه يحسن صنعا، فكل تجارب العالم لا تغني صاحب العقل النائم الهامل الخامل المتواكل، الذي يصبح بالاستيراد هو أشبه بالمعوق، الذي يستسلم لمساعدة (الآخر) ويعجز عن اكتشاف مواهبه الكامنة في شخصيته، والسعي إلى تنميتها والتميز بها.

ولعلنا نقول: إن الإنسان اليوم في هذه الحقبة العولمية، التي اختزلت الزمان والمكان وامتدت بالحواس وطورت عطاءها وأمدتها بأدوات ووسائل تقنية كادت معها تبصر العالم وتسمع العالم وتتذوق طعام العالم...إلخ، أتاحت كثيرا من الفرص التاريخية لأصحاب الرسالات، لذلك فالمسلم بأشد الحاجة اليوم إلى استنفار حواسه وتوسيع مداركه وفتح نوافذه المعرفية على العالم لرؤيته بشكل دقيق، ومن ثم تحديد موقعه فيه وإبصار كيفية التعامل معه، حيث لم يعد ينفع تعطيل الحواس وإغلاق منافذ العقل والانكفاء على (الذات) والتخلف عن الركب الإنساني.

لا بد للمسلم أن يدرك أبعاد رسالته ومقاصدها وأهدافها، ويحدد موقعه من الحركة العالمية بعلم وحكمة، ويطرح على نفسه السؤال الكبير: كيف يصبح شريكا في إنجاز الحضارة الإنسانية؟ يطعمها بالخير، ويوجه مسيرتها، ويغري الناس باتباع قيم الدين الإنساني، ويعمل على إقناعهم بأن سعادتهم وخلاصهم من شقوتهم إنما يكون بالإيمان بالله، والاتكال عليه، [ ص: 13 ] والارتكاز إلى قوته واستمرار عونه، مستصحبا تاريخه الحضاري العميق وعطاءه العالمي الرحيم بسبق حضاري ملفت.

لذلك نقول: قد نكون اليوم، في هذه الحقبة العولمية وانفتاح العالم وسرعة الاتصالات والتواصل وقد تغير العالم من حولنا، بأشد الحاجة إلى القيام بعملية مراجعة شاملة لفكرنا وثقافتنا واجتهادنا وأساليبنا في الدعوة على الله، في ضوء المستجدات المعاصرة والمتغيرات السريعة، والمشكلات التي أفرزتها العولمة، والتفكير بكيفية التعامل معها، وانعكاس ذلك على سياسة التربية، الموقع الأهم، الذي يشكل محور التغيير وأساسه، وإعادة النظر في وسائلها وأدواتها، بحيث يبقى الهاجس الدائم: كيف نعد النشء للتعامل مع عصره ومجتمعه وعالمه؟

إن عدم الاعتراف بالمتغيرات العالمية أو بحقبة العولمة واستحقاقاتها والتفكير في الغرف المغلقة لم يعد يجدي نفعا، وإنما سوف يؤدي إلى مزيد من الانعزال والاستلاب الحضاري والتخشب ومن ثم فقدان (الذات)، التي توهمنا أننا بذلك نحميها ونحافظ عليها، وعند ذلك سوف لا تنفعنا كل الرقى والتمائم والأمنيات وأحـلام اليقظة والحناجر السميكة والخطب الطنانة الرنانة والنفخ في أشعار الماضين ومحاولة استردادها وإقامة المناحات والبكاء على الأطلال وكل عقد تفخيم (الذات)، التي ما تزال تتحكم بثقافتنا ومجتمعاتنا. [ ص: 14 ]

إن مواقع العمل ووسائل الدعوة إلى الله لم تتغير ولم تتطور ولم تتجدد منذ أكثر من نصف قرن، وكل ما تقدم هو إعادة إنتاج السابق، والفخر به، وتقديس شيوخ الدعوة وتعصيمهم عن الخطأ، والتأكيد على عظمتهم وعبقريتهم والافتتان بفكرهم، بكل المناسبات.

وبالإمكان القول: إن الدعوة الإسلامية كانت غنية برجالها وتاريخها وإنجازها، لكنها اليوم فقيرة بحاضرها.

والسبب الرئيس في نظري إننا وقعنا وإلى حد بعيد بعلل أصحاب الأديان السابقة، التي حذرنا منها، من عدم التناهي عن المنكر، حيث وصفهم الله تعالى بأنهم: ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ) (المائدة:79) ، والاكتفاء من العمل والتعامل مع قيمنا في الكتاب والسنة بالحفظ والاستظهار والطباعة والنشر وتكبير حجم المكتبات والتباهي بها دون التفكر والتدبر وتوليد الحلول لمشكلاتنا من خلال كتاب ربنا وسنة نبينا، يقول تعالى عن أهل الكتاب: ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون ) (البقرة:78) ، وكم يتمنى الإنسان أن يجد ولو اعترافا واحدا بالخطأ والفشل على مدى نصف قرن، وكأننا معصومون(!) بالرغم من أن الهزائم تتوالى والتراجع لا تخطئه عين.

وقد تكون المشكلة، التي نعاني منها، أننا ما دمنا مسلمين وننتمي إلى هذه القيم المعصومة، فإن ذلك يمنحنا عصمة وتميزا عن غيرنا من سائر الناس(!) حيث الفخاخ الثقافية والتاريخية الخطيرة، وذلك عندما تلتبس [ ص: 15 ] (الذات) بالقيمة، فنصبح نحن القيم والقيم نحن؛ إننا معصومون لا نخطئ، بعصمة قيمنا في القرآن الكريم(!) وعندها يصبح النقد محرما، والمراجعة ممنوعة، والمناصحة مفاضحة، والحديث عن خطأ الأشخاص نيل من الشريعة وقيمها، الأمر الذي يؤدي إلى الانسداد الثقافي والحضاري والتنموي بتوقف عملية التقويم والمراجعة.

إن ذلك الكبر يمثل طريق السقوط والانقراض والمرض الحضاري، والمحزن أن ذلك يغلف ويفلسف باستعلاء القيم أو استعلاء الإيمان! فكيف والحال هذه نأمل بتغيير أو تجديد أو تطوير أو تقدم، إذا كنا على الصواب المطلق، والقرآن يقول عن تراجعنا وهزائمنا: ( قل هو من عند أنفسكم ) (آل عمران :165)؟

وليس ذلك فقط، وإنما الأخطر منه عندما نتفضل على الناس بإسلامنا ونطلب إليهم دفع ضريبة ذلك التفضل والتميز(!) وكأن الإسلام حكر علينا وليس للناس جميعا، وكأنه لأشخـاصنا أو لعصرنا أو لتنظيمنا أو لجماعتنا أو لطائفتنا أو لبلدنا، مع أنه خطاب الله الخالد لكل العصور، ولكل زمان، ولكل مكان، ولكل إنسان، وبذلك نتحول إلى طوائف وحلقات مغلقة مفتونة بنفسها، ننفصل عن الحياة والمجتمع، ونشكل أجساما وإقطاعات بشرية، فنحاصر أنفسنا، ونحنط دعوتنا قبل أن نحاصر من خصومنا، مع أن الإسلام بقيمه وتاريخه الإسلام مجتمع مفتوح للناس جميعا، وهذه ميزته، وليس مجتمعا مغلقا أو منغلقا يقود إلى التعصب والتمييز والعنصرية وادعاء الأفضلية. [ ص: 16 ]

ولقد أكد القرآن أن الخطاب للعالمين جميعا، والابتعاث للناس كافة، وكان غاية ما يطمح إليه الرسول صلى الله عليه وسلم التخلية بينه وبين الناس ( ... ويخلوا بيني وبين الناس... ) (أخرجه البخاري)، الأمر الذي كان يراه فوق المال والجاه والمنصب وكل أنواع الزعامات والإغراءات التي عرضت عليه؛ وهذه التخلية السليمة من الغبش إذا توفرت لها الوسيلة التربوية والدعوية الصحيحة سوف تقود الناس للإيمان؛ فالإسلام هو دين الفطرة، وكأن بين مكونات الإنسان وفطرته وقيم الإسلام تواعد والتقاء.

لذلك نرى اليوم أنه على الرغم من كل صور التشويه والتزييف، التي يساهم بها المسلمون، بسبب سوء تدينهم، فإن الإسلام ينتشر ويمتد في كل أنحاء العالم، من أكثرها تقدما إلى أقلها تحضرا، كلما أتيحت له فرصة من الحرية وعدم الاستبداد السياسي حتى شاعت مقولات: إن أجواء الحرية والديمقراطية تستدعي بطبيعتها الإسلاميين إلى قيادة الدولة والمجتمع، وذلك إحدى دلالات قوله تعالى: ( لا إكراه ) .

إن حرية الاختيار والدفاع عنها، والتخلية بين الناس وما يريدون، وبيان الرشد من الغي هو عمود هذا الدين، ولذلك كان شعار الجهاد: ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) (الأنفال:39 )، فالجهاد لإيقاف الإكراه، والمسلم يجاهد بنفسه وماله لتقرير حرية الإنسان، ونسخ الألوهيات، وإلغاء التسلط، وتحقيق حرية الاختيار، التي تعني استرداد إنسانية الإنسان، وهذه هي المهمة الكبرى للتربية بكل أبعادها. [ ص: 17 ]

من هنا نقول: إن الفضاء الكبير، الذي أتاحته العولمة يتطلب التفكير بكيفية إعداد الإنسان المسلم وتبصيره بـهذه الحقبة، التي أصبحـت واقعا لا مجال لإنكاره أو تجاهله، للتعامل معها، كيف نحميه من السقوط والانكسار والانمحاق؟ ومن بعد ذلك كيف نقدم له دليل العمل والتعامل مع هذه الحقبة؟ وهذا سوف لا يتأتى إلا بفقه العولمة واستيعابها بكل أبعادها، واستشراف تحولاتها، ومعرفة انكساراتها، أو بتعبير آخر الإحاطة بعلمها من خلال تخصصات علمية ومعرفية وتاريخية دقيقة، وعدم الاكتفاء بلعنها وارتجال الخطب الرنانة والحماسية حول مخاطرها، ومن ثم ترك الساحات مفتوحة لامتدادها، أو على أحسن الأحوال محاولة الهروب من الواقع ومسؤولية التعامل معه والالتجاء إلى الماضي والاختباء به.

إن العولمة أصبحت واقعا، أو فرضت واقعا، وصنعت حاضرا لا يمكن إنكاره أو الهروب منه -كما أسلفنا- وإن هذا الواقع بات يحكمنا في شوارعنا ومدارسنا ونوادينا ووسائل إعلامنا، حتى لقد وصل إلى غرف نومنا، فكيف نفقهه؟ وكيف نتعامل مع سلبياته بأقل الخسائر، ونوظف إيجابياته أفضل توظيف؟ كيف نلتقط فرصته ونحول تحدياته إلى مصادر قوة ومجال امتداد وانتشار وظهور لقيمنا التربوية الإسلامية؟

لقد كان الدافع الاقتصادي وفتح الأسواق وإزالة مراكز الجمارك والتأسيس لحرية الأسواق وحرية البضاعة ومرور المنتجات دون عوائق هو المنطلق والمحور، الذي استخدمت له كل الوسائل الأخرى، الثقافية [ ص: 18 ] والإعلامية والسياسية، حيث شعار العولمة الأول: "دعه يعمل دعه يمر"، وكانت الهيمنة السياسية والعسكرية والتحكم بسيادات الدول وإقامة الأنظمة العميلة من لوازمه، وعلى الرغم من كل ما تحمل العولمة من التحديات، التي تستهدف اقتلاع (الذات) وطمس الهوية وتذويب الشخصية، وفرض الهيمنة، وتنميط السلوك الإنساني، وإعادة صياغة الحياة وفقا لرؤيتها، فإنها تحمل فرصا ومجالا هائلا لانتشار الإسلام وظهوره الديني والثقافي والحضاري غير مسبوق.

لقد ألغت العولمة الحدود، وأزالت السدود والعوائق، وفتحت الفضاء، وأبدعت في الوسائل والاتصالات، التي أصبحت اليوم تصل بالصوت والصورة الحية والناطقة إلى حيث نريد، وأضافت لحواسنا طاقات هي أقرب للأحلام، لكن يبقى السؤال الكبير الموجه للتربية: كيف يمكن أن نحسن قراءة هذا الواقع واستقراء تحولاته، ومن ثم إعداد الإنسان القادر على التقاط فرص العولمة، وحسن توظيفها، والإفادة من انكساراتها، وامتلاك القدرة على تحويل تحدياتها إلى مصدر استنفار واكتشاف وحسن توظيف لطاقات الأمة وبناء إرادتها وعقد عزيمتها؟

إن العولمة، على الرغم من كل تحدياتها ومحاولاتها الهيمنة والتنميط للعالم وإلقاء القبض على عقول أبنائه وعلى خاماته المعدنية والطبيعية والبشرية واستغلالها لمصلحة الدول الأقوى المهيمنة، وطبع العالم بطابع ثقافتها وإعلامها الهائل فإنها تشكل في الوقت نفسه فرصا عظيمة ونادرة للمسلم [ ص: 19 ] صاحب الرسالة العالمية والإنسانية، وتضعه أمام مسؤوليات كبرى، كيف يحمي ذاته من الاقتلاع، وكيف يبصر أبعاد هذا الفضاء العولمي، وأين موقعه فيه، وما هي أولوياته، وكيف يبدع الوسائل المناسبة للوصول بقيمه الإسلامية إلى الناس؟

فالعولمة -كما نعلم- لم تقتصر ولن تقتصر على إتاحة فرص التجارة والعمل وانتقال البضائع والمنتجات وإنما رافق ذلك معطيات ثقافية وسياسية وإعلامية واجتماعية، فتلك البضائع والمنتجات وطرق إدارتها واستخدامها وكيفية التعامل معها ليست محايدة، وإنما تحمل في جوفها ومعها ثقافة الأقوى، كما تحمل الافتتان به وبقدرته، إلى درجة قد تشل الإرادة، وتحل العزيمة، وتوقع في حالة اليأس، وتقود إلى الاستسلام والشلل التام.

لذلك نقول هنا: إن عملية التربية، التي تستشرف وتفقه الماضي وتفهم الواقع وتستشرف المستقبل في ضوء ذلك كله، هي التي تخلص من ذلك كله إلى تقديم رؤية لسياسة التربية ودليل لمناهجها، وبصارة للوسائل التعليمية والتربوية المناسبة لإعداد إنسانها، وهذا يعتبر من الصناعات الثقيلة والكبرى، التي لا بد أن تجند لها مؤسسات الدولة جميعها، وتساهم بالمشاركة فيها ومساندتها، والتأكد قبل ذلك كله أن العملية التربوية هي ثمرة وتوليد وبناء (للذات) والتأهيل للإفادة من (الآخر).

هي عملية توليد من خلال قيم الأمة ومعادلتها الاجتماعية، في ضوء استشراف المستقبل، وكيفية الإعداد له في ضوء الإمكانات المتاحة والظروف [ ص: 20 ] المحيطة، وليست التربية بحال من الأحوال تغييرا في الهياكل والأشكال؛ ليست تقليدا ومحاكاة؛ ليست عملية استيراد وتكديس للسياسات والأهداف والإنسان والمنهج والكتاب، التي قد تحسن المظهر وتفتقد الجوهر؛ هي استنبات وليس استيرادا؛ هي خطة لبناء (الذات) وفق مرجعية الأمة وقيمها وتاريخها الحضاري ومعرفة كيفية الإفادة من (الآخر)، وليست إلغاءا (للذات) وتذويبا لها، وتجاوزا لقيم الأمة وتاريخها الحضاري ومعادلتها الاجتماعية واستيراد وتكديس منتجات (الآخر) الثقافية؛ فالإنسان المتخلف العاجز عن استيعاب ذاته وقيمه وتاريخه الحضاري هو الأعجز عن الإفادة من تجارب (الآخر) ومعطياته.

ولا شك عندنا أن الإنسان المسلم بقيمه الخالدة في القرآن والسنة وتنزيلها وتجسيدها في مجتمع السيرة النبوية وتجربته الحضارية التاريخية إذا أحسن التعامل معها واستيعابها وأحسن اختيار مواقع الاقتداء لكل مرحلة من مسيرته مؤهل لقيادة الإنسانية إلى الخير والشهادة عليها وتسديد مسيرتها؛ مؤهل لتعدية الرؤية وتوليد الأحكام واختيار المواقف الملائمة للحركة في كل الظروف والأحوال.

فهو مؤهل؛ لأن قيمه الإسلامية ابتداء هي خطاب لفطرة الإنسان حيثما كان، لذلك فرصيده الكبير في الاستجابة هو فطرة الإنسان؛ والتاريخ والحاضر شاهد على هذه الاستجابة من المواقع المتنوعة، وتجربته الحضارية جاءت نتاجا للتعامل مع العديد من الحضارات والثقافات وكيفية التعاطي [ ص: 21 ] معها، ورسالة النبوة التي يحملها هي جماع عطاء النبوات التاريخية والقيم التي يبشر بها، هي قيم عالمية، لذلك لا مشكلة له على المستوى الفكري والثقافي مع حقبة العولمة إذا كان في مستوى إسلامه.

بل لعلنا نقول: إن العولمة تشكل فرصـة له، ولحظة تاريخية وحضارية لم تتكرر؛ إن ما تتيحه من فرص وإمكانات وما تفتحه من آفاق ومجالات وفضاء كبير، وما تمد الإنسان به من إمكانات وأمداء لحواسه، وما تحققه من سرعة التواصل وأدواته... إلخ معطيات العولمة، تشكل للمسلم اليوم فرصة نادرة للحركة والبلوغ بقيمه ما بلغ الليل والنهار، وتتيح له الدخول في حقبة إظهـار الدين وظهـوره عـلى الديـن كله، بعز عزيز أو بذل ذليل، تأكيدا لحديث الصـادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر ) (أخرجه أحمد).

ولئن كان لحقبة العولمة تحدياتها ومخاطرها فإن في تجربة المسلم الحضارية من الصمود والمجاهدة التاريخية لكثير من التحديات العالمية، التي جاءت ماحقة ومدمرة لكل شيء، كالحروب الصليبية وحروب التتـار وأنواع وألوان الاستعمار الحديث وأنظمة مخلفات الاستعمار أو ما بعد الاستعمار، ما يشكل له رصيدا عظيما من الصمود والمدافعة والحوار والمواجهة والقدرة على الإفادة منها واغتنام فرصتها. [ ص: 22 ]

ولئن جاءت العولمة بكل سلطانها وتقنياتها وضغوطها لرفع الحواجز وفتح الأسواق أمام تجارتها وتحرير التجارة العالمية من القيود لإغراق الأسواق بمنتجاتها واحتلال العقول بثقافتها وإعادة إنتاج أجيال على عينها وإلغاء الإرادات وشل العزائم وخطف الأبصار بقدراتها وهيمنتها، فإن رصيد المسلم يؤهله لاستيعاب ذلك كله وامتلاك القدرة على التعامل معه، واغتنام فرصته وتوظيف تحدياته لمزيد من الوعي واليقظة والعكوف على (الذات) واكتشاف طاقاتها وخيرات حضارتها وتاريخها، وتقديم الإسلام إلى العالم كما أنزله الله لا كما شوهه بعض الجهلة وأعداء الإسلام.. فالعولمة فرص وتحديات، كيف نتعامل معها فنفيد من فرصها، ونتجاوز تحدياتها؟ فأين التربية المؤهلة لذلك؟

وبعد:

فهذا الكتاب يشكل صوت النذير؛ إنه يرصد مظاهر العولمة ومحاولتها الهيمنة من الأقوى على مختلف المجالات، الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية... إلخ، ويتتبع آثارها الخطيرة على الأمة المسلمة في أخطر المواقع وأشدها تأثيرا وخطورة: مجال التربية؛ لأن الذي يتحكم بالبعد التربوي ويهيمن على وسائل التشكيل الثقافي هو الذي يمتلك مفاتيح التحكم في المستقبل.

إنه يقدم بصائر ورؤى للتحديات والمخاطر، التي تحملها حقبة العولمة للعالم العربي والإسلامي بشكل خاص، ويحاول أن يستفز ويستنفر الطاقات [ ص: 23 ] للمدافعة والمواجهة؛ ذلك أن التحدي يجمع الطاقة، ويبعث الهمة، ويثير الفاعلية، ويجدد شباب الأمة، ويبصر بمعالم الطريق.

إن التحديات تصنع الحضارات، وإن العمل على إلغاء الحواجز، التي جاءت به العولمة لتمرير البضائع لتحرير الأسواق في الظاهر سوف يتيح الفرصة ويفتح الفضاء للمسلم صاحب الرسالة والتجربة التاريخية العالمية لتمرير قيم الإسلام، وتحرير الإنسان بالإسلام، وإخراجه من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة؛ فالمسلم الذي يشكل بقيمة الإنسان (العدل) قادر على التعامل والعطاء في كل الظروف والأحوال، والعاجز (الكل) هو عبء على نفسه وأمته، أينما ترسله لا يأتي بخير.

فالعولمة التي تدخل عالم الإسلام اليوم سوف لا تستطيع تحقيق أهدافها، وسوف تفشل وتنكسر موجاتها كما فشلت قبلها الكثير من الحملات العالمية، التي استهدفت الإسلام والمسلمين، أو تكون سببا في تجديد الوعي وبناء النهضة، يقول تعالى: ( ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ) (الزمر:29).

ولله عاقبة الأمور. [ ص: 24 ]

التالي


الخدمات العلمية