نحو قراءة نصية في بلاغة القرآن والحديث

الأستاذ الدكتور / عبد الرحمن بو درع

صفحة جزء
- مظاهر "بناء النص" في القرآن الكريم:

يحلو لبعض الباحثين المعاصرين أن ينفوا عن القرآن الكريم كل مظاهر النصية الموحدة للقرآن الكريم >[1] ، وأنه ليس نصا منسجما بالمعنى الحديث، الذي يستلزم درجة كبيرة من الترابط في مستوى التأليف اللغوي، فليس في القرآن -بزعمهم- نص مترابط ولا منسجم بل لا يوجد ذلك حتى في السورة الواحدة على الرغم من المحاولات الجادة لبعض الدراسات حول التفسير الموضوعي للقرآن، والدراسات الجادة في المناسبة الموضوعية بين السور، بل ذهب هؤلاء الباحثون أيضا إلى أن القرآن الكريم مجموعة من المدونات كمدونة العقيدة ومدونة الشريعة ومدونة الوعظ ومدونة الغيب [ ص: 51 ] ومدونة القصص، ولكل مدونة أسلوبها وعباراتها، وباستثناء مدونة الشريعة، يمكن أن نتصور درجات من الغموض الدلالي تتيح للتأويل مكانا في فهم النص والاجتهاد فيه.

وهذا الرأي يفتقر إلى الأدلة التي تثبت خلو النص القرآني من عناصر التماسك والانسجام النصيين، وهي عناصر اجتهد علماء البلاغة وعلوم القرآن لإثباتها والبرهنة عليها بالشواهد الكثيرة من الآيات والسور، وبسطها وبيانها في كتبهم.

النص القرآني بناء محكم متماسك، يفيد معنى محددا؛ قال الله تعالى في مطلع سورة هود، عن القرآن الكريم: ( الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ) (هود:1). القرآن الكريم نص أتقنه صانعه، والإحكام إتقان الصنع، بحيث يكون سـالما من الأخلال التي تعرض للنصـوص في اللفظ والمعـنى. ومن المعلـوم أن الكلام في الشأن الواحد إذا انفرط عقـده و"سـاء نظمه انحلت وحدة معناه، فتفرق من أجزائها ما كان مجتمعا، وانفصل ما كان متصلا... فلا بد إذا لإبراز تلك الوحدة "الطبيعية" المعنوية من إحكام هذه الوحدة الفنية "البيانية"، وذلك بتمام التقريب بين أجزاء البيان والتأليف بين عناصره حتى تتماسك وتتعانق أشد التماسك والتعانق" >[2] . [ ص: 52 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية