العروج الحضاري بين مالك بن نبي وفتح الله جولن

الأستاذ الدكتور / فؤاد عبد الرحمن البنا

صفحة جزء
سابعا: معادلة (حركة النهوض) بين الأفكار والأشخاص:

من المعلوم أن صناعة الحضارة عند مالك بن نبي تتم من خلال الانسجام الكامل بين ثلاثة عناصر، هي: الأفكار والأشخاص والأشياء.

وإذا كان الأشخاص غاية بالنسبة للأشياء، فإنهم يصبحون وسيلة بالنسبة للأفكار، وعندما يتحولون إلى غاية تحدث مشاكل كبرى وتتوقف طائرة الحضارة عن الإقلاع.

ولهذا فقد اهتم ابن نبي بدراسة العلاقة بين الأفكار والأشخاص اهتماما بالغا، وعمل بمهارة فائقة نتيجة هضمه لمقاصد الإسلام ووعيه بثقافة العصر على إبراز الانسجام الذي يجب أن يكون بين الطرفين، وعلى التحذير من تبادل المقاعد بين الأفكار والأشخاص، وذلك عندما يتم تجسيد الأفكار وشخصنة الرؤى.

وأول ما يلفت النظر إليه هو أن عالم الأفكار ينبغي أن يظل في المقدمة، مؤكدا أن تقدم عالم الأفكار يؤدي إلى التوحد والتآلف في عالم الأشخاص، [ ص: 89 ] كما حدث في التآخي بين المهاجرين والأنصار في دولة المدينة المنورة التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم >[1] .

وعندما تتراجع الأفكار يتضخم الأشخاص والأشياء: "هكذا يتواصل الاطراد في المجتمع كما في الفرد حتى نقطة الارتداد والانكفاء، هنا تجمد الفكرة، وتتجه المسيرة نحو الوراء، إذ ينقلب المجتمع الإسلامي على أعقابه ليعود على إثر مراحل عوالمه الثلاثة.

هنا لا يعود عالم أشخاص على هيئة النموذج الأصلي الأول، بل يصبح عالم المتصوفين، ثم عالم المخادعين والدجالين من كل نوع، ولاسيما من نوع (الزعيم)" >[2] .

ويبرز جوهر تفوق المشروع الصهيوني في المنطقة العربية وهو انسجام الأفكار والأشخاص والأشياء في هذا المشروع، وتناقضها في المقابل في المشاريع والدول العربية >[3] ..

وبسبب تراجع الأفكار في البلاد الإسلامية وعدم عناية المثقفين أنفسهم بالفكر، فإن هذه البلاد أكثر من أي بلاد أخرى، تعاني في هذا الزمن وثنيات الأشخاص والأشياء >[4] . [ ص: 90 ]

ولا تتقدم الفردية والشخصـانية فقط بسبب تأخر الأفكار، بل أشار إلى عـوامل أخرى اجتماعية، مثل إصـابة شبكة العلاقات الاجتماعية، فإن إصابتها في أي مجتمع ستؤدي بهذا المجتمع قطعا إلى مواجهة سيئات الروح الانفرادية >[5] .

التالي السابق


الخدمات العلمية