العروج الحضاري بين مالك بن نبي وفتح الله جولن

الأستاذ الدكتور / فؤاد عبد الرحمن البنا

صفحة جزء
المبحث الثالث

موازنات العروج الحضاري عند فتح الله جولن

- تمهيد:

من يقرأ حياة المفكر والداعية التركي محمد فتح الله جولن، يدرك أن الله منحه عددا كبيرا من المواهب والملكات النفسية والعقلية والاجتماعية، ونشأه في بيئة خصبة جغرافيا واجتماعيا، وتقلب في ظروف متباينة، وواجه تحديات وابتلاءات شتى، كل ذلك بجانب إرادة الرجل الصلبة، ومواهبه الثرية، وإخلاصه الجم، وعلمه الغزير، وحركته الواسعة، ودعوته اللطيفة، يبدو أنها قد تضافرت في إيجاد فكر عادل متوازن وحركة متزنة معتدلة، بحيث ارتقى إلى قمة الحكمة التي تجعل المرء مسددا في أفكاره وأفعاله، يضع الشيء في مكانه وزمانه المناسبين، بمقداره وهيئته المتكاملتين، وصدق المولى عز وجل إذ يقول: ( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) (البقرة:269).

وبامتلاك جولن لهذه الموازنات، أوجد قاعدة مهمة للعروج الحضاري المنشود في هذه الأمة. [ ص: 103 ]

ومن خلال استقراء كاتب هذه السطور لكتابات جولن الفكرية ومناشطه الدعوية هو وتلاميذه في "تيار الخدمة"، بدا له أن هذا العملاق امتلك ميزانا دقيقا وازن به بين الثنائيات التي يمكن أن تشكل (عوامل) للنهوض الحضاري في حالة التوازن، وإذا اختل هذا الميزان يمكن أن تستحيل إلى (عوائق) أمام هذا النهوض.

ومع كثرة الثنائيات التي وازن بينها جولن بميزانه الدقيق الذي يشطر الشعرة إلى أربعين شطرا، فمن الممكن الإحاطة الموجزة - في هذا المبحث - بأهمها، وهي ثماني موازنات عادلة على النحو الآتي:

التالي السابق


الخدمات العلمية